كم تعرف وافدا يعيش بألف ريال أو أقل بعد أن يرسل منه مصروف أسرته ويدَّخرَ جزءا يشكل ـ خلال سنواتٍ من الغربة ـ رأسمالٍ يغنيه في بلده لآخر العمر، بعد أن يسدِّد الديون التي تكبدها ليحصل على فرصة عمل في المملكة؟

وكم تعرف "سيكورتياً" سعودياً يعيش بألف ومئتي ريالٍ قبل الزيادة؟

وكم تعرف حارس مدرسة يعيش هو وزوجته وأطفاله بمثل هذا الزهد؟

وكم تعرف طالباً وطالبةً جامعيين يعيشان بمكافأتيهما، ويعينان وربما يعولان أسرتيهما؟

فإذا سلَّمت مع كل من يعرف "سليمان الراجحي" من أقاربه وأصدقائه، ومن هوامير المال والأعمال في العالم: بأنه أذكى من كل من سبق وأحسن تدبيراً أفلا يبطل عجبك من التغريدة التي أطلقها أحد كتاب الرأي "الشباب" أثناء لقائنا بهذا العملاق في أحد مشروعاته الوقفية الضخمة في "قصيم الزمان"؟

التغريدة ـ كما هي طبيعة "توتر" ـ أخذت اللحمة من فم القدر، كما يقول المثل الحجازي، ولم تكن تهدف ـ كما هي طبيعة "توتر" ـ إلا إلى الإثارة والفرقعة النارية، وما آفة الأخبار إلا رواتها؛ كما تقول العربان!

ولكن خذوا العلم ـ المسجل صوتاً وصورة ـ من شاهد عيان ليس من "الشباب" ولا يمت لـ"توتر" بأدنى صلة:

كان "أبو صالح" يتعجب من جيل اليوم، الذي يزعم أن (2000) ـ وليس (1000) ريال ـ لا تكفيه؟ ويتساءل: كيف يدفع الأجنبي "اللي وراه واللي دونه" من أجل الحصول على فرصة عملٍ بهذا المبلغ، بينما يمكن أن يجدها السعودي ملقاةً في الطريق؟ ثم أضاف بكل صدق: أنا أستطيع أن أعيش بهذا المبلغ! وراح يفصل ـ بكل جدِّية ـ الاحتياجات الحيوية الضرورية له ولزوجته الصغرى وطفله ذي العامين؛ حيث لا يعيش معه غيرهما! أليست هذه أسرة شاب في مقتبل عمره؟ وفي بداية حياته لا نهايتها؟

ولأنه "سليمان الراجحي" فليس من احتياجاته الضرورية: سيارةٌ فخمة تأكل المطبات بالعافية، ولا قصرٌ ترمح فيه "دواجن الوطنية"، ولا سائق للهانم، ولا مربية للولد، ولا شغالة طباخة نفاخة، ولا سينما تلفزيونية يتسدح أمامها (73) ساعةً في اليوم والليلة لمتابعة القنوات المشفَّرة، ولا "آي فون"، ولا "آي باد"، ولا مناسبات اجتماعية للفشخرة الكذابة! ولأنه "أصلع" فليس بحاجة إلى "تقذيلٍ" أو "تكديشٍ" ولا إلى إكسسوارات أخرى لمشاكسة "جمس بوند" في وادي "التحلية"!

لقد كان "أبو صالح" يتحدث عن شاب جاد واعٍ بأولوياته، فيما قفزت أذهان المغرِّدين إلى مليارديرٍ في الثمانين من عمره، "يتوهمون" أنه ولد وفي فمه ملعقة من ذهب عيار 21!

وما بين حديثه وتغريدنا حضيضٌ فادح شُوِّهت فيه نظرتنا للحياة والعمل وبناء المستقبل! كيف؟ ومن المسؤول؟ غردوا بهذا إلى يوم الاثنين القادم!!