لا تقلق، الناس يحبون بعضهم هنا.. أنبوب ضخم من المشاعر يتفجّر، الأغنيات الرخيصة كلها تتحدث عن الحب المسلوق بنفس المقادير، الأعمال الأدبية إن لم تكتب بمداد اللوعات لا تجد من يلتفت لها، الشعراء المتكاثرون نذروا أنفسهم في سبيل الغرام.. الكتّاب الذين يطفحون بالنصوص التي تتحدث عن امرأة تركتهم أصبحوا نجوماً، في حين صارت الكاتبات اللاتي يتحدثن عن أن رجلاً لا يستحق ما يفعلنه لأجله أشهَرُ من خيبة على علم.
المسلسلات لا تباع إن هي لم تحتضن بألف حلقة قصة عاشقين ركلهم الهيام حتى استووا.. ستتعثر حتماً بحكاية غرامية، سيتساقط أمامك الضحايا من علٍ، لن يسلم قدرك اليومي من إحداهن.. الحمد لله، نحن محاطون بالناس الذين ارتدوا كمية كافية من الحب لن تنضب قبل النفط على الأقل.. بعد كل هذا ومع أن على هذه الحالات العاطفية تلقائياً أن توفر نوعاً من السلام، وتقلل من التوحش، تحرض على البهجة وتعزز الإنسان فينا.. إلا أن ما يحدث لا يشي بأي شيء من ذلك.. الشحناء تطل برأسها عند أول نقاش، الكره يُوزع كعلب حلوى، العنصرية إحدى وجباتنا التي نستلذ بها، نظراتنا تجاه الجنس المختلف عنا تصيدية. رحلة استكشافية قصيرة المدى.. تشك للحظة بأن هؤلاء هم من كانوا يوزعون براميل العواطف قبل قليل، ويكاد أحدهم أن ينشطر لنصفين جراء حالة تسامي الشعور التي يعيشها، ويجعلك تقول لنفسك: "تبارك الخلاق هذا الوديع لا يمكن أن يؤذي جناح ذبابة"، إلا أنه يصدمك بتفهمه بأن خلع رأس آخر يعارض ما يؤمن به فعل ليس مستهجناً قبل أن يرجع لحالة التنهد المصطنعة.
الحب لدينا واحد من طبقات قشور نلف بها حياتنا المتصحرة، متظاهرين بأننا قلوب حمراء تمشي على رجليها افتراضياً، لكننا واقعياً لا نرى الحب إلا ترفاً. عليه أن يحتل ذيل متطلباتنا الإنسانية.