معقدة هي الأزمة السورية، بما تخلقه من صراعات داخلية في قلب موسكو التي لا ترى في سورية دولة مستقلة يختار شعبها ما يريد، بل تراها ساحة مواجهة بينها وبين الغرب لإثبات قوة إرادة الروس في العودة كقوة عظمى في العالم.
هناك عنصران يلعبان الدور الأساسي في صياغة المشهد السياسي الروسي؛ وهما: قوة لوبي أباطرة الاقتصاد (غالبيتهم من اليهود) وقيادات المجمع الصناعي العسكري الذين حولوا الصناعات الحربية إلى مدخل للسيطرة على مفاصل السياسة والاقتصاد في روسيا، والتأثير على سياستها الخارجية، فقد تعلمت روسيا ـ كما الدول الكبرى ـ أن مبيعات الأسلحة للدول الأخرى لا تشكل مصدر دخل اقتصادي مهم فقط، بل إنها تشكل طبيعة السياسات التي تتخذها هذه الدول.
ويرى قادة المجمع الصناعي العسكري الروسي أن مبيعات السلاح هي مصدر الدخل القومي لروسيا من جانب، ووسيلة لصيانة مكانة روسيا عالميا من خلال التزام مزيد من الدول المستهلكة للسلاح الروسي بدعم مطالب موسكو وصيانة مصالحها، كما أنها تسهم في تخفيف ضغوط التطوير العسكري عن موازنة الدولة، فتستطيع روسيا تطوير مزيد من المنظومات المتقدمة لمصلحتها ومصلحة زبائنها كعنصر تجاري وعنصر تفاوض مع القوى الكبرى كما فعلت موسكو عندما ألغت صفقة بيع صواريخ إس 300 المضادة للطائرات لإيران.
روسيا ترى في خسارتها لسورية فقدا للمزيد من زبائنها في ليبيا واليمن ومصر والجزائر، وهذا يضاف لخسارتها المحتملة قريباً لقاعدة طرطوس التي بدأت عملية انسحاب تدريجي منها، وهو ما يؤثر وبشكل حقيقي على قدرة بحريتها على التحرك في البحر الأبيض المتوسط والمياه الدافئة في البحر الأحمر وبحر العرب.
كما أن المعادلة السورية وخاصة قاعدة طرطوس تتيح لموسكو التفاوض مع أميركا حول الدرع الصاروخي بكثير من الثقة والندية التي ستفقدها ويفقد معها بوتين آخر آماله في الفوز بدعم المجمع الصناعي الذي خسر في عهد هذا الرئيس معظم عملائه في العالم العربي، كما سيفقد دعم اللوبي اليهودي الذي يرى في ذهاب الأسد تهديداً للجولان المحتل الذي يمثل أحد أهم عناصر قوة دولة إسرائيل الحديثة.