ومن شدة "الروعة" لا بد أن تتعثَّر وأنت تدخل المقهى الباذخ، التابع لجمعية "حرفة" في أضخم المولات التجارية وسط "بريدة"، بإدارةٍ نسائية سعودية قصيمية كاملة! وهو تعثر جاء طبيعياً لهول دهشتك بأن تستقبلك لدى الباب فتاة من بناتنا الطموحات العمليات، وإن رأى زميل "الحياة"/ "علي القاسمي" بعين طبعه "اللذيذ" أنها حركةٌ مسرحية لتسمع "اسم الله عليك" بصوتٍ يرد الروح! ولكن اعترف أن "اسم الله عليك" هذه هي التي حمتك من الدوخة فخراً واعتزازاً حين دخلت المقهى ورأيت خلية الإبداع النسائية "الحرفية"!!

"حرفة" هي أول جمعية تعاونية متعددة الأغراض نسائية 100% في العالم العربي، تقف وراءها ـ ووراء كل عملٍ اجتماعي وطني ـ صاحبة السمو الأميرة/ "نورة بنت محمد"، وتديرها نخبة من ملكات النحل في مقدمتهن نائب رئيسة مجلس إدارة الجمعية الدكتورة/ "نوال العجاجي"، ومديرة الجمعية الدكتورة/ "ريم ابن جامع".

وستجد كثيراً من المتحدثين عن إنجازات "حرفة" القياسية التي أغرت أشقاءنا في الخليج بإرسال وفودٍ نسائية تتعلم منها أسرار النجاح، وتنقل عنها مقادير الإرادة النسائية السعودية، لكنك لن تجد أدق من عبارة "نيل آرمسترونغ" التي أطلقها من القمر؛ لتصبح بعد "السعودة" و"القصمنة" و"السحمنة": "إنها خطوات جميلة للعمل الاجتماعي التعاوني لكنها قفزة هائلة للمرأة السعودية"! تلك المرأة التي انطبعت صورتها في العقلية المحلية والخارجية، مجلَّلَةً بطبقات من السواد أسمكها هو "ظل السيد الرجل"؛ بحيث يعتقد الكثيرون أنها لاتستطيع أن تتحرك خارجه قيد أنملة!

لقد أعادت إلينا "حرفة" في بريدة، و"بيوتنا" في المذنب، و"الملفى" في عنيزة المرأة القصيمية التي كانت تدير الحياة بكل تفاصيلها، وبخاصةٍ عند سفر "العقيلات"؛ سفراً قاصداً قد يستغرق أعواماً، وسفراً غير قاصدٍ لا ينتهي أبداً ! فكانت تفلح الحقل، وترعى "الدبش"، وتربي الولد، وتكرم الضيف! تلك المرأة التي لم يستطع حتى أعداء المنطقة أن يجحدوا فضلها؛ فوصفوا القصيم حسداً من عند أنفسهم بأنه "مرة (امرأة) وبقرة" فقط؛ لكنها رُزِئَت بمن يصفها ـ والمرأة السعودية عموماً ـ بالبقرة، من المحسوبين على الثقافة الخارجين من رحم القصيم!

في "حرفة"، و"بيوتنا"، و"الملفى" نماذج مدهشة تؤكد أن السعودية قادرة على العمل والإنجاز والتفوق ومواكبة عصرها من غير أن تخلع خصوصيتها ووقارها، وتستطيع أن تنافس شقيقها من غير أن تشقِّرَ حواجبها أو تظلل جفونها أو تطيل رموشها أو تنفخ براطمها!

وللتوضيح فإن "بيوتنا" نسخة من حرفة في المذنب، تجلس فيها الخياطات على كراسيَ دوارة، الله يعظِّم أجر جدتي "حمدة" !! أما "الملفى" فهو منتجع "وَقفَهُ" المصرفيان الكبيران/ "محمد وعبدالله السبيعي"، ويتولى المطعمَ فيه فريقٌ نسائي "عنيزاوي"، لن تصافح أحداً بعد الخروج منه؛ لأنك أكلت أصابعك بالعافية!