.. وأما الفئة الأولى؛ فهم أولئك الذين يقولون ما لا يفعلون؛ فيقولون ويكتبون ويحتسبون بنقد الحسَن وضده في سوق عكاظ، بل إنهم يشوهون الحسن تشويها متعمدا، محاولين استدرار عواطف تابعيهم بغير إحسان، ومتكئين في ذلك على رؤاهم المتكلسة القائمة على أن إحياء هذه السوق إنما هو إحياء لعادة جاهلية! ويبدو أن المراد الحقيقي من هذه النقد الناسف ليس الظاهر منه، وإنما المراد هو كون هذه السوق لا تقدم خدمة حقيقية للأجندات الحركية الهادفة إلى السيطرة على الفعل الثقافي والمجتمعي كلّه، بهدف السيطرة على العقول كلّها، وضمان تبعيتها وانقيادها، بما يحقق الأهداف الاستراتيجية لـ"الحركات، ومن البدهي أن "عكاظ" لا يمنحهم شيئاً من ذلك، بقدر ما يسلبهم بعض مؤيديهم الذين يجدون عن أيمانهم فعلا مختلفا عما اعتادوه عن شمائلهم، فيذهبون إلى حيث السلام والإبداع والجمال المصفى من عقد الحنق والتصنيف والممانعة للممانعة التي باتت عادة مرتبطة بكل عمل لا يقوده قادتهم، سواء أكان حسنا، أم سيئاً، فالمهم هو أنه عمل خارج عن السيطرة الموهومة.

والفئة الثانية من ناقدي "عكاظ" والناقمين عليه؛ هم أنصاف المثقفين من الباحثين عن دور يحققون به ذواتهم؛ ذلك أنهم يعلمون أن وجود دور لهم في "عكاظ" سيمنحهم اعتراف الأوساط بهم، ويحقق لهم الشرعية الثقافية التي يبحثون عنها بالظهور المجرد من النتاج المتميز والإمكانات الحقيقية، متوهمين كفايته، ومتناسين أن الحضور الثقافي لا يكون حضورا مؤثرا و"محترما" إلا بعد تطوير الأدوات، والنهوض بالذات، وتأسيس الرؤية، واكتمال القدرة، ومن الغريب أن بعض المنتمين إلى هذه الفئة مستعدون لتأييد الفئة الأولى، ما دام ذلك قد يفتح أمامهم أبوابا أخرى، فالمهم هو الدور، بغض النظر عن المبدأ.

وتأتي الفئة الثالثة؛ لتكون منهما بوصفها ناقدة، لكنها بعيدة عنهما، من حيث المنطلقات والأهداف و"النيات"، وهي الفئة التي تمارس النقد من أجل التطوير، ومن أجل "عكاظ" يليق باسمه، ويوازي تاريخ مكانه، ويتسق مع إيحاءاته الكثيرة التي تجتمع لتكون تاريخ وحاضر أمة، وهؤلاء هم الناقدون الغيورون الذين ينشدون الاقتراب من الكمال، ويبحثون عن الأفضل، ولهم أن يقول لهم كل منصف: سلمت أقلامكم.

إن البون بين الفئتين الأولى والثانية شاسع، وليس أمام العاملين في "عكاظ" سوى تجاهل الفئتين البراغماتيتين الأولى والثانية، والالتفات إلى رؤى الفئة الثالثة بعين فاحصة، وعقل صائد قادر على اقتناص الأفكار الإيجابية الممكنة، ليكون "عكاظ" كما يأمل الصادقون المؤمنون المتعلقون بالإبداع أيان كان مرساه.