يجب أن أعترف أنني لست من عشاق "الكورة" ولا أفقه بأحكام بطولات كرة القدم، ولكنني أنتظر المونديال بفارغ الصبر لكي أستمتع بقيادة سيارتي في شوارعنا الخالية من المزاحمين وارتياد أسواقنا المهجورة من المضاربين.

في حفل افتتاح مونديال جنوب أفريقيا أعجبني تفاخر زعماء العالم بمنتخباتهم الرياضية، وأطربتني "شاكيرا" بأغانيها، وانتظرت بفارغ الصبر ظهور العلم السعودي خفاقاً بين أعلام الدول المشاركة، لتفاجئني حفيدتي ذات السبع سنوات بأن المنتخب السعودي أخفق في التأهل للمونديال. استسلمت لجهلي الكروي وعدت لمتابعة مذكرات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كيسينجر".

كان "كيسينجر" وما زال من عشاق كرة القدم بسبب ولادته ونشأته في ألمانيا بلده الأم. وعندما هاجر مع والديه لأمريكا في عام 1938م، واكتسب جنسيتها، ودرس العلوم السياسية في جامعاتها، بدأ يطالب الحكومة الأمريكية، الغائبة عن كرة القدم، بدعم هذه الرياضة لقناعته بأن "المنتخبات الوطنية" هي مرآة "الشخصية القومية" الحقيقية في العلوم السياسية.

عندما اختاره الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون" مستشاراً للأمن الوطني في عام 1968م ومن ثم وزيراً للخارجية الأمريكية في عام 1969م، حقق "كيسينجر" أحلامه بوضع المنتخب الأمريكي لكرة القدم على خارطة المونديال كجزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية الأمريكية. وبدأ "كيسينجر" في حصد نتائج طموحاته التي اختصرها بمقولته الشهيرة: " لن تستطع أمريكا أن تسيطر على العالم بدون أن تتفوق في كرة القدم".

لم تثن الأحداث الكروية المأساوية "كيسينجر" عن المضي في ترسيخ سياساته الخارجية وأحلامه الكروية. خلال العام الأول من فترة عمله وزيراً للخارجية، فاز منتخب "السيلفادور" على منتخب "هندوراس" في مباراة تصفيات القارة الأمريكية لبطولة المونديال، مما أدى إلى اندلاع الحرب بين الدولتين في 14 يوليو 1969م، وشارك فيها أكثر من 60,000 جندي و1600 طائرة مقاتلة، وتسببت في مقتل أكثر من 4000 شخص وتهجير مئات الآلاف من شعوب الدولتين، واحتلال "السيلفادور" لجزء من أراضي "هندوراس".

بعد استقلالها عن الألعاب الأولمبية في عام 1930م، أصبحت ألعاب كرة القدم بطولة عالمية بحد ذاتها، وأطلق عليها اسم المونديال. وكما ساهمت دولة "أوروغواى" في إطلاق أشهر جولات المفاوضات في التجارة العالمية، التي نجحت في ترسيخ مبادىء العولمة وإنشاء منظمة التجارة العالمية، بادرت دولة "أوروغواي" في تنظيم أول بطولة للمونديال التي شارك فيها 13 منتخباً دولياً فقط، من بينها 7 منتخبات من أمريكا الجنوبية، حيث حققت "أوروغواي" أول بطولة في مونديال كرة القدم بعد أن فازت في المباراة النهائية على الأرجنتين بأربعة أهداف لهدفين. واستمرت بطولة المونديال مرة كل أربع سنوات بضيافة الدول، ولم تتوقف إلا لفترة 12 سنة (1938-1950) بسبب الحرب العالمية الثانية.

منذ بدء المونديال قبل 80 عاماً إلى يومنا هذا، تأهلت 8 دول عربية فقط للمشاركة في هذه البطولة العالمية، وهي السعودية، الإمارات، الكويت، العراق، مصر، المغرب، تونس، والجزائر. خاضت في نهائياتها هذه الدول 55 مباراة، فازت في 7 منها فقط، حيث حققت المنتخبات السعودية والمغربية والجزائرية فوزين لكل منها، وفوزا واحدا للمنتخب التونسي، وتعادلت المنتخبات العربية المشاركة في 14 مباراة وخسرت في 34 منها.

كانت مصر أول الدول العربية مشاركةً في المونديال، وذلك في الدور الأول للبطولة التي أقيمت في إيطاليا عام 1934م، حيث خسرت أمام المجر بأربعة أهداف مقابل هدفين لمصر. وتلتها تونس لتحقق أول فوز عربي في الدور الأول لمونديال الأرجنتين عام 1978م، وذلك عندما تغلبت على المكسيك بثلاثة أهداف لهدف واحد، وانتزعت تعادلاً ثميناً من المنتخب الألماني بطل العالم في حينه، لكنها فشلت في بلوغ الدور الثاني لخسارتها أمام بولندا بهدف واحد مقابل لا شيء للمنتخب التونسي.

وكانت السعودية الأكثر حضوراً عربياً في بطولات المونديال على امتداد 80 عاماً، حيث كانت أول مشاركة لمنتخبها في عام 1994م، حيث قدم عرضاً شيقاً توّجه بالفوز على بلجيكا بهدف المباراة الوحيد الذي أحرزه اللاعب السعودي "سعيد العويران"، بعد أن راوغ مدافعي المنتخب البلجيكي مسافة 83 متراً وأودع الكرة ببراعة في مرمى الشباك البلجيكية. وبذلك تأهل المنتخب السعودي إلى الدور الثاني للبطولة، لكنه خرج من المونديال على أيدي منتخب السويد. كما شاركت السعودية في مونديال فرنسا عام 1998م، وجنوب كوريا واليابان في عام 2002م، وفي مونديال ألمانيا عام 2006م.

ومن الدول العربية الأخرى، فقد شاركت المغرب في بطولات مونديال المكسيك عام 1970م، ومونديال الأرجنتين عام 1978م، بينما شاركت الجزائر والكويت في إسبانيا عام 1982م، والعراق والمغرب والجزائر في المكسيك عام 1986م، والإمارات ومصر في إيطاليا عام 1990م، في حين شارك ممثل العرب الوحيد المنتخب الجزائري في مونديال جنوب إفريقيا هذا العام.

عالمنا العربي بحاجة ماسة إلى سياسة خارجية متطورة وهادفة لتضع منتخباتنا الرياضية على خارطة المونديال.