وما زال الشاب الثمانيني/ "سليمان الراجحي" يتدفق حيويةً ونشاطاً وهو يتحدث عن تجربته الطويلة الحافلة؛ حتى ليخيل إليك أنه لم يضع ثانيةً واحدة هدراً! إنه يمثل ثقافة جيلٍ ولد على الهواء مباشرة، فلا وظائف مكتبية يتزاحم عليها مئات الألوف، ولا نظام تأمينات اجتماعية، ولا موارد بشرية، ولا "حافز" في خيمة "إفطار صائم"، ولا بطالة مقنعة أو سافرة، ولا انتظار ما لا تنتظره الطيور حين تغدو خماصاً! لا شيء عند جيل "بني عصام" غير "تشغيل الكمبيوتر الرباني"، كما يقول "سليمان الراجحي"، ويشير إلى رأسه هو لكيلا نتحسس رؤوسنا الـ...صلعاء!!
كل هذا "التمطيط" لنصل إلى سالفة "الخبزة" ـ واستعن بصديقٍ "بكيراوي" لتنطقها بشكل صحيح ـ فعن "محمد بن سليمان الراجحي" قال: كنتُ على بعد ساعتين من الموقع حين اتصل الوالد وطلب حضوري عاجلاً! فوضعتُ السماعة واتجهتُ إليه فوراً؛ فهو لا يطلبك بهذا الشكل إلا لأمرٍ جلل! ووجدته ينتظرني تحت شجرةٍ وبيده كسرة خبز، فبادرني بالسؤال: "وش ذا"؟ قلت: كسرة خبز تركها أحد العمال ـ فيما يبدو ـ بعد أن شبع! قال: كم خبزةً تنتجون في اليوم؟ فاتصلت بالأخ المسؤول/ "صالح الدهش" ليخبرني أنهم ينتجون (3000) رغيف! فقال الوالد: "خَلْوَه (2800)"، دون أن يفصِّل! وظل يسألني بين فترة وأخرى: هل اشتكى أحد من قلة الخبز؟ وفي كل مرةٍ أقول: "لا" يأمر بتخفيض الإنتاج مئتي رغيفٍ إلى أن وصلنا "2400" حيث بدأت الشكاوى من نقص الخبز، وعندها قال: تمااام.. هذا هو العدد الأنسب ولن تجد كسرة خبزٍ "مجدوعةٍ بذا" بعد اليوم!
إننا أمام "كمبيوتر رباني" مدهش إلى حد الفزع باهتمامه بأدق التفاصيل! وهذا هو سر النجاحات المطردة تجارياً وصناعياً وزراعياً، التي كانت ستنتهي حتماً بأعظم مشاريع الأوقاف في المملكة وبعض الدول العربية والإسلامية؛ حيث قام "سليمان الراجحي" بتقسيم ثروته ـ ساخراً من الموت ـ واستثمر هو وحده (25) مليار ريال في مشاريع تعيد "ثقافة" الأوقاف الإسلامية الربحية المستمرة إلى أوج مجدها بعد أن اختلطت في "كمبيوتراتنا الحديثة" بالهبات والصدقات وإشارات المرور!
لا فرق بين شركات الراجحي التقليدية والأوقاف إلا أن الأوقاف لم تعد ملكاً خاصاً له بل ملكاً عاماً للمجتمع، ولا يمكنه استعادة ملكيتها وإن ظل مديراً محترفاً يتمتع بأعلى الأجور والمميزات طيلة حياته، فإذا جاء الموت ـ على أقل من مهله ـ انتقلت إدارتها إلى غيره ولم تنتقل ملكيتها لورثته من بعده! أما ما تصرفه الأوقاف في سبل الخير ـ كإنشاء "جامعة سليمان الراجحي" بالبكيرية ـ فمن الأرباح التي لا بد من استثمار بعضها في مشاريع ربحية جديدة!
وبهذا المفهوم يسلم عليك التاريخ ويقول: ربحت مشاريعك في الدنيا والآخرة يا "أبا صالح"!!