• تلقيت دعوةً كريمة من جامعة "أيوا" بالولايات المتحدة الأميركية، لحضور فعاليات برنامج لمؤلفين من أنحاء العالم، من أقصى الشرق، الصين وكوريا والفلبين، وحتى أستراليا ونيوزلندا، إلى الأرجنتين وتشيلي.. إلخ. الجامعة تقدم هذا البرنامج للكتّاب منذ عقود، لتجمعهم وهم الآتون من ثقافات مختلفة كل الاختلاف، في ورش ترجمة وحوارات، وقراءات، ولقاءات بالجمهور، وطلاب الجامعة، إلى السينما، إلى زيارات لمرافق المدينة، ثم زيارة ثلاث ولايات قبل نهاية البرنامج، وغير ذلك من الفعاليات التي لا تتسع هذه الزاوية لذكرها.
• كنت قد درست في إحدى أكبر جامعاتنا السعودية، ولا أذكر على الإطلاق منشطاً شبيهاً بهذا، لا أذكر أن الجامعة وأنا طالب نظمت لنا لقاءات وحوارات بكتّاب وروائيين وشعراء من أنحاء الوطن العربي، ولم تفعل هذا حتى مع مثقفينا السعوديين من أبناء وطننا نفسه. بل إن ما لُقنّاه في قاعات الدرس، وعبر مراحل التعليم من الابتدائية وحتى ما بعد الخروج من الجامعة، أن هؤلاء الذين يُسمون مثقفين وكتّابا وشعراء وروائيين، هم أكبر خطر يداهم مجتمعنا، وأنهم أعداؤنا الذين يعيشون بيننا ويقاسموننا الزاد ونفس اللغة، ويلبسون ثيابنا نفسها، ونلتقيهم في العيد والمسجد والعزاءات والأفراح، هؤلاء المثقفون بجميع أطيافهم وتوجهاتهم، كان الجدار وما زال بيننا وبينهم يجعل من مجرد خيال أنه يمكن أن نحاورهم في مدرسة أو جامعة نكتةً كبيرة. وهي بالفعل كذلك، لكن من جهةٍ أخرى!
• أتساءل عن الدور التنويري الفاعل والحقيقي للجامعة السعودية (أم التصنيفات والبقية)، أين مراكز البحوث والدراسات التي قدمتها وأسهمت في تغيير أنماط الوعي والعيش والقرار في بلدنا، أين البرامج التي قدمتها لعموم النخب وللجمهور، أين دور جامعاتنا بعد نصف قرن، وأحد أساتذتها يرمي بالعالم الإسلامي كله في النار، إلا من يراه هو، وأين وأين وأين.. إلخ وألف سؤال، ثم لا أتذكر إلا - بالطبع - غير المحاضرات التي نعرفها وعرفناها عقودا طويلة، حتى حفظناها بما فيها عن ظهر قلب، والحال ما زال كما هو عليه.
• وأنا أتجول في مكتبة الجامعة، التي تحوي خمسة ملايين كتاب، من شتى أنواع المعارف واللغات، والمتاحة للطلاب وسواهم.. إلخ، لم أتذكر مكتباتنا العامة، التي لا يرتادها غالباً سوى العاملين بها، ولا مكتبة الجامعة، بل أتذكر – اعتراف - كيف كنت أُهرّب من الحدود البرية أو المطارات ديوان شعر أو رواية، وأتذكر القلق الذي كنت أعيشه لحظة مروري من التفتيش كما الجناة، مع العلم أنه يمكنك أن تجد هذا الكتاب على بسطة رصيف، في بلدٍ آخر، بلدٍ قريبٍ وجار.
• يمثل العرب في هذا البرنامج أربعة أدباء؛ كولالة نوري من العراق، وطالب الرفاعي من الكويت، وخالد البري من مصر، وابنكم من السعودية، وللحديث بقيّة..