وما زلت في حيرة كبرى في خياراتي لمفردات العنوان: هل أقول إنها كفيفة تبحث عن نور أم إنها (صابرة) تبحث عن وطن تسرقه البيروقراطية والقلوب الصماء عن أن تلامسه بيديها بعد أن استحال عن أن تشاهده بالبصر.
بكيت مع ابنتي أحلام الخالدي وهي تهاتفني من الغالية الرياض وهي تستعرض قصتها مع الحياة، ومن ثم مع الوظيفة. أكملت أحلام كل تعليمها العام في معهد النور للكفيفات ثم أنهت الجامعة متفوقة على عشرات المبصرين والمبصرات وحين بدأ الحلم أمام الأعين الكفيفة سرقته من أمامها الأعين المبصرة. هي تطلب بوضوح أن يتم تعيينها معلمة بذات المعهد الذي ابتدأت فيه، وهي عاقلة، منطقية بما فيه الكفاية من رجاحة العقل وهي تقول إنها تطالب بفتح هذه المعاهد أمام (ذوات الإعاقة) في التخصصات النظرية، لا في العلمية. ولكم من الخيال أن هذا الوطن الكريم المعطاء الأبوي، يضن بوظيفة شاغرة لتسع كفيفات تخرجن العام الماضي من جامعتين وأن في الطابور الطويل مجرد خمسين كفيفة جامعية. هؤلاء لا يستحققن مجرد وظائف، بل يستحققن توجيهاً صريحاً مباشراً للوظيفة الفورية في أقرب مدرسة للمنزل. هؤلاء يستحققن منا جميعاً أن يذهبن للوظيفة في اليوم التالي مباشرة من استلام الوثيقة. المحزن في قصة ابنتي أحلام أن أوراق البيروقراطية أعطت وظائف المعهد التعليمية للمبصرات على حساب التي تستحق بالفعل. ما الذي ينقص أحلام الخالدي كي تستطيع أن تكون معلمة الثقافة الإسلامية وهي التي تفوقت في الجامعة على عشرات المبصرات؟ من هو الموظف البيروقراطي بليد الإحساس الذي لا يتعاطف مع ـ عيون ـ لا وظيفة لها في الحياة، ولا في الجسد، إلا سكب الدموع حين استحال البصر؟ من هو (صاحب الضمير) الذي ينام ضميره عن أن يهدي وطناً إلى مواطنة لم تشاهده بالعين؟ من هو صاحب الإحساس الذي يتوقع من كفيفة أن تصف في طابور (لا تشاهده) من أجل وظيفة؟ من هو (ميت) القلب الذي لا يبكي حياة (عيون) ميتة. وبالبلدي الشعبي الصارخ الأحمر: من هو الذي يسرق قصة (وطن) أمام بضع كفيفات وهو الوطن الذي جاد بالبلايين للملايين؟ من هو الذي يقتل بقية حواسهن الخمس من أجل أوراق وظيفة؟. اتقوا الله!