خلال الفترة الماضية تداول الناس بشكل واسع جدا سلسلة أسماء يقال إنها لمجموعة معلمات صدرت قرارات تعيينهن في إحدى المناطق.. أغلبها تنتمي لعائلات معروفة محددة.. عشرات الأسماء تنتمي لعائلة واحدة.. ومثلها لعائلة أخرى.. وهكذا.. ومن باب السخرية السوداء كان الناس يباركون لآباء هؤلاء الموظفات!

حدث ذلك دون أن تخرج أي جهة حكومية لإثبات صحة ذلك أو نفيه.. أو حتى تبريره إن كان صحيحا.. والسكوت في هذه الحالة يعني صحة ما يتداوله الناس في هواتفهم ومجالسهم.. أي أن الواسطة السيئة تدخلت في اختيار المرشحات ذوات النفوذ والقربى والعلاقة الاجتماعية، واستبعدت المسكينة والضعيفة واليتيمة، ومن لا تمتلك واسطة، حتى وإن كانت متفوقة أو كانت شهادتها امتيازا مع مرتبة الشرف!

إثم كبير، وكبير جدا، هذا الذي نسكت عليه.. السكوت في ظل المقدرة على التعبير، سلوك سلبي ومشاركة في الجريمة بشكل أو بآخر.. كنا ننتظر إنصاف الناس وإعادة الحقوق لأصحابها.. ففوجئت بالأمر وكأن شيئا لم يكن.. والحمد لله أن القرار لم يتضمن عبارة "اللي مو عاجبه يشرب من البحر"!

نعم أدرك أن "الواسطة" تغلغلت في القطاع الحكومي بشكل مخيف، بل وتحولت إلى سلوك.. بل إننا وصلنا لمرحلة أنه لا يمكنك في أحيان كثيرة أن تنجز أي عمل له ارتباط بمؤسسات الحكومة دون واسطة.. وأدرك جيدا أنها أصبحت ترفع الواجبات وتضع الحقوق!

وأدرك أيضا، وهذا المضحك المبكي، أنها أصبحت لاعبا أساسيا في العلاقات الاجتماعية.. فالمسؤول الذي يقبل الواسطة السيئة "مسؤول نشمي وطيب وراعي واجب وفزعة".. والذي يرفع شعار العدل ولا يقبل الواسطة السيئة هو "مسؤول رخمة" و"ما بوجهه دم" و"ما يقدر الرجال"!

لكن كل هذا لا يبرر لنا السكوت عما حدث.. يجب تجريم ذلك الفعل إن كان صحيحا، واعتباره نوعا من أنواع الفساد المستوجب للعقوبة.. ذلك فليكن، أو ضعوا الواسطة ضمن شروط التقديم على الوظائف في المرة القادمة!