قبل أيام قليلة صُدمت من تصريحٍ للمهندس مازن بترجي (نائب رئيس الغرفة التجارية بجدة) بأن: "منح إجازة يومين في الأسبوع لموظفي القطاع الخاص، لن يؤدي سوى إلى رفع تكلفة الإنتاج على القطاع الخاص، لا سيما الصناعة"، لكن المهندس "بترجي" أحسن حينما تراجع عن هذا التصريح، وأكد أنه يمثل رأيه الشخصي كونه صاحب عمل وينتمي للقطاع الخاص فقط، وليس رأياً رسمياً للغرفة التجارية.

وهذا الرأي "الشخصي" يقود إلى مسألة مهمة، وهي وضع القطاع الخاص في بلادنا، والذي رغم زخم الدعم الحكومي المتواصل، على مدى عقود طويلة، إلا أنه لا يزال دون مستوى التطلعات، ولم يصل إلى مرحلة النضج الإداري، والقدرة على أن يكون متصدراً للمشهد التنموي في البلاد، بدلاً من القطاع الحكومي أو القطاع الثالث، كما هو الحال في الدول المتقدمة.

دعونا نتكلم بصراحة.. قطاعنا الخاص مدلل، لا توجد ضرائب، أسعار تنافسية للأراضي الصناعية، وأسعار شبة مجانية للكهرباء والماء، والوقود كذلك، اعتماد شبة تام على العمالة الأجنبية الرخيصة، والأهم من ذلك قوة شرائية كبيرة للمجتمع، وإنفاق حكومي هائل، ثم ماذا بعد؟ قطاعٌ خاصٌ لا يريد أن يقدم شيئاً، فلا برامج مسؤولية اجتماعية، ولا "سعودة" حقيقية!!

والأسوأ من ذلك أن كثيراً من التجار تعتمد تجارته على أسلوب الوكالات التجارية، لينحصر دوره في بيع البضاعة في السوق المحلي، دون أي يقوم بأي شيء سوى التوزيع والتحصيل، أو حتى خدمة إضافية، ولم يفكر بالدخول في شراكة حقيقية مع المصنّع الأجنبي، بحيث ينقل التقنية الفنية والصناعية للمملكة بالتدريج، ولكن تلك مهمة شاقة، مقارنة بأسلوب الوكالات وإضافة هامش ربحٍ مريح، وللأسف لم يقم إلا عدد قليلٌ من الوكلاء بتطوير عملهم بهذه الطريقة، والمثير للدهشة أن من طوّر علاقته مع شريكه الأجنبي واستثمر فيها تطوّر عمله وتوسع وأصبح مركزاً لتصنيع وتوزيع المنتج في المنطقة والإقليم!

أما من جهة الموضوع الأهم وهو: "سعودة" القطاع الخاص، فالواقع الحقيقي في كثيرٍ من المؤسسات التجارية، وخصوصاً الصغيرة والمتوسطة يفصح عن ظاهرة سعودة "السكيورتي" و"الاستقبال" دون الوظائف الحقيقية والمهمة، والتي تدر دخلاً مناسباً للموظف، وتسهم في الاستقرار الأسري للمجتمع، وتقدم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني والمنظومة الاجتماعية كذلك، فمن يزر أي منشأة خاصة، فسوف يصاب بالصدمة من العدد الكبير من الموظفين غير السعوديين، وكأنما نحن في دولة أخرى، وللأسف هذا المشهد لا يمكن أن تراه سوى في دول الخليج العربي فقط، بينما يسيطر المواطنون على كافة وظائف القطاعين العام والخاص في أغلب دول العالم، و تقتصر عمالة الوافدين على بعض أنواع العمل، والاستشارات العلمية والتخصصات الفنية النادرة.

هكذا ورغم دلال قطاعنا الخاص فإنه يتلكأ في مسألة حقٍ أصيل من حقوق الموظف، وهو التمتع بإجازة يومين متتاليين، بزعم أن ذلك قد يزيد من تكلفة الإنتاج، وبالتالي يرفع الأسعار، وهذه حجةٌ من الصعب فهمها، أو على الأقل التعامل معها بشكل علمي، فالعبرة بعدد ساعات العمل وليس بعدد أيام العمل، فضلاً عن أن الإنتاجية لا تقاس بعدد الساعات بقدر ما تقاس بإنتاجية الموظف نفسه، ووجود إجراءات عمل واضحة، وبيئة عمل محفزة للإنتاج والإبداع، ولكنه الجشع والبحث عن العمالة الرخيصة، والتي لا مانع عندها من العمل ليل نهار في سبيل الحصول على الفتات، ولو أن النظام يسمح بعدد ساعات عمل أطول أو مفتوحة، لكانت هي الأساس في التعامل، ولحاول البعض الحصول على أقصى منفعة من موظفه، دون الالتفات لحالته النفسية واحتياجاته الأسرية.

من جهة أخرى تطبق الكثير من الجهات الخاصة "إجازة اليومين" وبالذات الشركات الكبرى وبعض شركات الأدوية، ولم نجد أن أسعارها تأثرت بمثل هذا العامل، بل إن إنتاجية الموظف قد تزيد بسبب تركيزه الأكبر في عمله، وحصوله على إجازة حقيقية، يستطيع قضاءها مع عائلته بشكل مناسب، فضلاً عن أن هذا القرار سوف يسهم في دعم السياحة المحلية بشكل كبير، وخصوصاً السياحة ما بين المدن القريبة من بعضها، بحيث يستطيع الموظف وعائلته قضاء إجازة سريعة في إحدى مناطق الجذب السياحي في المملكة، ليعود إلى عمله وقد جدد نشاطه، واستعد لأسبوعه الجديد.

أما الأهم من ذلك كله؛ فهو أن تطبيق سياسة "إجازة اليومين" سوف يساعد على دعم جهود توطين وظائف القطاع الخاص، حيث إن حاجز "إجازة اليوم" هو أحد أهم الحواجز التي تقف حجر عثرة أمام الشباب السعودي لاقتحام ميادين القطاع الخاص، ولعلي أشير هنا إلى تجربتي الشخصية، حيث عملت في بداية عملي الوظيفي في إحدى الشركات أربع سنوات، وكانت إحدى جوانب معاناتي تتلخص في كون الإجازة الأسبوعية مجرد يومٍ واحد، هو يوم الجمعة فقط، مما أثر على علاقاتي الاجتماعية، وتواصلي مع أصدقائي وأسرتي، بل كانت حاجزاً كبيرًا يقف أمام جذب كفاءات سعودية للشركة.

قرار "إجازة اليومين" سوف يقلل من حجم الفجوة بين القطاعين العام والخاص، ويجذب مزيداً من الباحثين الجادين للعمل في هذا القطاع، فهل نرى تحركاً جاداً من وزارة العمل، خلال الحوار الذي سوف يعقد بين الجهات الحكومية وأصحاب العمل والموظفين، لأخذ وجهات نظرهم، تمهيداً لرفعها إلى مجلس الوزراء، لتؤكد لنا الوزارة أنها في صف الموظف أولاً وليس غيره كما نرى دائماً، هذا ما سوف تفصح عنه تحركات الأيام القادمة.