من آن لآخر يتم طرح شركة أو مجموعة من الشركات للاكتتاب العام، وهي عملية تخدم عدة أهداف من أهمها زيادة عمق سوق الأسهم، وزيادة مشاركة المواطن، وكذلك إتاحة الفرصة لدخول شركات تملك سمعة وقيمة مالية ومستقبلية جيدة. وإذا نظرنا لتجربة طرح الشركات في المملكة العربية منذ الستينات الميلادية وحتى اليوم، فإننا نلاحظ وجود رغبة وقدرة مالية لدى الأفراد لتملك أسهم في بعض الشركات المطروحة، وهذا ما كان ملاحظاً في الماضي عندما كانت صكوك تملك في شركات عامة متاحة ولكن بشكل محدود ومن خلال أفراد معروفين وإن كانت الطريقة غير منظمة. ومع الوقت، استمرت الرغبة والقدرة المالية لدى الأفراد للتملك في الشركات، ولكن هذه المرة بدعم وحماية ومراقبة من الدولة من خلال التنظيمات والتشريعات التي تم سنها بهذا الخصوص، ومن أهمها نظام الشركات، وكذلك إنشاء الهيئات والمؤسسات المالية ذات العلاقة بالشأن المالي وأسواق الأسهم ومنها وزارة التجارة وديوان المراقبة العامة ومؤسسة النقد وهيئة سوق المال.

ما يهمنا في هذا السياق هو الحديث ليس فقط عن زيادة عمق سوق الأسهم ولكن عن نوعية الشركات التي ينبغي طرحها للاكتتاب العام ما بين شركات جديدة أو تحت الإنشاء وشركات ذات تاريخ وسمعة معينة، وما بين شركات حكومية وشركات خاصة، وما بين شركات عائلية وشركات أو مؤسسات فردية أو شبه فردية، وما بين شركات تتمتع بأداء مالي وكفاءة إدارية جيدة وشركات تتصف بأداء مالي غير مرض وضعف في إداراتها، ولنا أن نستعرض الشركات التي طرحت للاكتتاب العام ونحدد نوعيتها، جيدة أم ضعيفة مالياً وإدارياً، وهل كانت توقعات المراقبين والمكتتبين متوافقة مع واقع ومستقبل الشركات المطروحة؟

ولنا أن نستعرض بعض الحالات التالية ونرى مدى نجاح تجربة طرح الشركات للاكتتاب العام:

1- نجاح تحويل بعض الشركات العائلية العريقة وذات السمعة الجيدة إلى شركات مساهمة مما ساهم في مشاركة المواطنين في ملكية هذه الشركات وساعد أيضاً في إعادة توزيع الثروة بين المواطنين، فعلى سبيل المثال، تأتي تجربة شركة "جرير" على قائمة الشركات العائلية العريقة في النشاط التجاري التي نجحت في تجربة الاكتتاب، وهذه تجربة تعكس حسن اختيار هيئة سوق المال من ناحية وتعكس أيضاً السمعة المالية وكفاءة الأداء لإدارة شركة جرير قبل وبعد الاكتتاب، وهي المرحلة الأهم والأصعب والمطلوبة للجمهور، ويمكن تعلم الكثير من الإيجابيات والسلبيات من تجربة طرح شركة جرير.

2- تحويل بعض الشركات العائلية جزئياً، إلا أن التجربة كانت قاسية وتكبد جراءها الكثير من المواطنين خسائر مالية كبيرة. وبالنسبة لهذه الشركات، فقد تصل نسبة ما تم تحصيله من طرح (30%) من ملكية الشركة للاكتتاب العام أكثر بكثير من قيمة الشركة الحالية والمستقبلية، بل وأعلى مما تم استثماره من قبل المؤسسين قبل طرح الشركة، وهي حالات ما زالت تضع علامات استفسار كبيرة على وضع هذه الشركات! وعلامات أكبر على أسباب فشلها واستمرار مشاكلها المالية!

3- تحويل بعض الشركات الحكومية إلى شركات مساهمة جزئياً، ومنها على سبيل المثال شركة سابك وشركة الاتصالات السعودية، وهي تجربة أتاحت للمواطنين المشاركة في ملكية هذه الشركات الناجحة نسبياً، والمؤمل طرح المتبقي من ملكية الدولة في هذه الشركات للاكتتاب العام، وطرح شركات أخرى مماثلة مثل شركة تداول التي ينص قرار الدولة عند إنشائها قبل سنوات على طرح ملكيتها للمواطنين في فترة لاحقة.

4- طرح شركات تحت الإنشاء أو جديدة مثل شركات التأمين وهي تجربة تتصف بالصعوبة وقد يكون الاستعجال في طرح هذه الشركات أحد العوامل التي ساهمت في ضعف هذه التجربة.

ما نحتاجه في هذه المرحلة هو التركيز على استقطاب الشركات الناجحة مالياً والأهم تلك التي تتمتع بسمعة مالية وأخلاقية عمل ونزاهة كبيرة، شركات مثل شركة جرير والإلكترونيات المتقدمة، وليس شركات تهدف إلى الحصول على تمويل نقدي دون مقابل.

ما يحتاجه سوق المال هو دعم وتشجيع الشركات الناجحة للدخول في السوق وتذليل الصعوبات والتحديات أمامها والعمل معها من خلال شراكة استراتيجية – شراكة ما بين هيئة سوق المال والشركات الواعدة، شراكة تعتمد العمل والتعاون على أساس عادل وصادق وليس على فرضية الوصاية أو التخويف، شراكة تعتمد على جذب وتشجيع ومكافأة الشركة الجيدة وطرد ومعاقبة الشركة الضعيفة.

وحتى ينجح سوق المال وتنجح هيئة سوق المال وتنجح الدولة في حماية المنافسة في سوق المال وحماية المستثمرين وخصوصاً الأفراد، ينبغي إجراء وقفة صادقة، وقفة ومراجعة لما يحصل وحصل من ثراء فاحش وغير مبرر لبعض المؤسسين أو العائلات على حساب المواطنين، المواطنون الذين يفترض أن تقف هيئة سوق المال في صفهم، أو ليس مناطا بها حمايتهم؟!

شركات تصل خسائرها المتراكمة إلى أكثر من (50%) ولسنوات، ماذا يحصل؟ شركات تعاني من مشاكل مالية وتواجه معوقات عمل مالية وإدارية، ماذا يحصل؟ شركات تعاني ضعفا في إدارتها بشكل واضح وجلي، ماذا يحصل؟

هناك شركات واعدة يمكن أن تضيف الكثير للسوق، وحتى تتحمس هذه الشركات للدخول، هناك الكثير مما ينبغي عمله من قبل هيئة سوق المال، إضافة إلى جهودها الواضحة والجلية خلال فترة السنوات القليلة الماضية.