محمد صادق دياب.. الرجل الذي يمنح الآخرين الفرح والإحساس بالرضا والطمأنينة؛ نفسه الذي يحمل في داخله حزنا عميقا، وآلاما ممتدة وضاربة في ذاكرته من جهة، وفي ذاكرة المكان من جهة أخرى.. تؤلمه نفسه لأنها تنطوي على نبل خالص، وهذا قاس أن تكون نفس بهذه الشفافية الصادقة في واقع وزمن ملوثين بالأكاذيب والنفاق وخديعة كل شيء. هذه غربة شديدة المرارة وربما كان هذا ما يفسر ألم دياب الشخصي، وأما ما يؤلمه من جهة المكان فهو ما يؤلم كل الذين عرفوا أي إهمال وإساءة تعرضت لها أمكنتهم، وحتما لقد نالت جدة نصيبا كبيرا من تجاهل وجدانها وطابعها وقيمتها، سواء في هويتها أو في مكانها ومكانتها، وكل الذين نشأوا في تلك الأزقة في جدة القديمة بأحيائها الأربعة، ثم يرون كيف فُرغت من معناها وحكاياتها لتصير مكانا آيلا للتداعي وطرقاته تشوهها النفايات والروائح ومياه الصرف الصحي.. إلخ.

عندما التقى الروائي الصديق اللبناني أحمد علي زين بهذا العذب محمد صادق دياب، ليقدمه في برنامجه الشهير والمهم "روافد" فوجئ بذاكرته الحية، ونفسه المليئة بالحب، وتجربته الواسعة في المكان وفي الثقافة والأدب.. وأكثر من كل هذا فقد فوجئ بهذه الحميمية الدائمة التي تحيط به من كل ناحية كلما اقترب من ضيفه هذا. يقول أحمد علي زين في مبتدأ تلك الحلقة: أحيانا تذهب بنا الصدف إلى غير هدف أو مقصد، إلى حيث لم نخطط للوصول تماما مثلما حدث لنا مع هذا الرجل، جئنا لنتعرف عليه كاتبا وباحثا، فحملنا للتعرف على مدينته وميادينه ومطارحه مسقط عمره وأفكاره، المدينة العتيقة التي يعشقها "جدة".

http:// www.alarabiya.net / programs /2009 /03/09/680 49. html # 002

يكتب عن نفسه دياب.. “كانت تقول لي أمي إني أكبر من بنت الجيران بعام، وأصغر من ولد الجيران بعام، لكن لا ولد الجيران يعرف تاريخ مولده ولا بنت الجيران.. فالتاريخ في ذلك الزمن لم يكن يتسكع في الأزقة والحواري ولا يهتم بغير أبناء الأعيان، وأبي لم يكن منهم. كان والدي ملاحا يجوب البحار، شراعه غيمة بيضاء يسكنها الشوق والريح والموال. هذا الجهل بتاريخ مولدي جعلني أمام الجمل أهز شجرة العمر فتتساقط بعض أعوامها، لذا لم أعتب على أمي قط، فلعلها لم تكن ترى أن قدوم إنسان إلى هذه الحياة يستحق معاناة التسجيل، طالما أنه عابر في زمن عابر".

كان صديقا قريبا جدا للفنان الراحل طلال مداح ـ رحمه الله ـ وأصيب بموته بفقد وألم كبيرين. كتب عددا من الكتب، بذات روحه الجميلة، وهي: المفردات العامية في مدينة جدة امرأة وفنجان قهوة ـ جدة التاريخ والحياة الاجتماعية ـ عباقرة الفن والأدب.. جنونهم وفنونهم ـ ساعة الحائط تدق مرتين ـ الأمثال العامية – يوميات.