عرضت الـ"بي بي سي عربي" الإخبارية يوم الاثنين 11/6/2012 فيلماً وثائقياً يصور عمق الشرخ الذي قسم المجتمع اليمني إلى ماضٍ انتهى سياسياً، وحاضرٍ ما زال دمه يغلي استعجالاً لقطف ثمار التغيير التي لم تنضج بعد فيما يبدو! وتتعقَّدُ الحبكة متسارعةً كنبض عاشق:
يتمسَّح الماضي بالحكمة اليمانية فينصب ميزاناً بكفَّتين يعترف في إحداهما بأخطائه كأي بشر، ويستميت في الأخرى لإثبات إيجابياته التي توَّجها ـ في نظره ـ بترك السلطة حقناً للدماء البريئة! وينصب الحاضر ميزاناً حديثاً بكفةٍ واحدة، لايقرُّ بأية إيجابيات، ويصرُّ على أن الماضي وُلد وعاش ومات سلبياً، ولم يكن أمامه إلا الرضوخ لإرادةٍ شعبيةٍ جارفةٍ ترفض تحصينه من محاكمةٍ حتمية!!
ويتمادى الماضي في عماه أو تعاميه، فالجثث التي انتثرث بالعشرات إنما جاء بها المعارضون "جاهزة" ليحصلوا على الدعم العالمي، والدماء التي صبغت المكان والزمان ليست إلا ألواناً مائيةً رديئة الصنع! والحاضر يعتقد أن الماضي ليس أعمى ولا متعامياً، ولكنه يرى الأشياء بعين طبعه!
الماضي يمثله بكل صدقٍ وإخلاص الدكتور/ "عبده الجَنَدي"، نائب وزير الإعلام اليمني قبل وأثناء وبعد التنحي، والحاضر يمثله بكل معاني الشجاعة ابنه الطبيب/ "أبو ذر"!
يأسرك هذا السيناريو الذي نسجته اليمنية/ "نوال المقحفي" بحرفية أوروبية، فيتداعى في ذهنك سيناريو "فرعون وموسى"، و"أبي عبيدة بن الجراح" ـ أمين الأُمة ـ وهو يقتل والده في غزوة بدر الكبرى! ولا بد أن تتحسس كبدك على سؤال أحد من السكين وأدق من الليزر: أين هو المستقبل من هذا الصراع "السُّوريا/لي"؟ أهو في دموع الطفلة "براءة"، ابنة الدكتور/ "نزيه المقطري" ـ زميل الدكتور/ "أبي ذر" وصديق طفولته ـ الذي راح ضحية رصاصة "بلطجية" عشوائية؟ أم هو في إشراقة طفلة الدكتور/ "أبي ذر" وهي ترفع أصبعيها الدقيقتين بعلامة النصر في وجه جدِّها؟ أم هو في المثل اليمني الذي يختم به جدُّها الفيلم الرائع؛ موصياً ابنه بضرورة الترويح عن النفس: "يوم لي ويوم لربي، ويوم لا لي ولا للمصلي على النبي"؟؟