وإكمالا لموضوع مقالي السابق، عن الصراع المسلح في سورية، أورد هنا إيجابيات وسلبيات الجيش السوري النظامي وإيجابيات وسلبيات الجيش السوري الحر، وكيف أن كلا منهما يحاول استخدام إيجابياته ضد الآخر، واستغلال سلبيات الآخر لصالحه، ونتلمس ما سوف تؤول إليه الحرب في النهاية، إذا كانت لها نهاية يمكن تلمسها.

نقاط قوة الجيش السوري النظامي، هي التفوق الكبير بالعدد والعتاد وكثافة النيران، يحايد الجيش الحر ذلك، بالقتال كمجموعات صغيرة ومتفرقة داخل أحياء المدن المكتظة، مما يضطر الجيش النظامي لمجابهته بعدد يوازي عدده أثناء الالتحام، ويعطل مفعول كثافة النيران لديه. نقطة قوة الجيش الحر في أنه ليست لديه قواعد ثابتة، يمكن الانقضاض عليها ودكها والتخلص منها؛ ولكن الجيش النظامي ألغى الجغرافيا كهدف لمجابهته للجيش الحر، وجعل مقاتلي الجيش الحر هدفه الرئيس في حربه ضدهم، أي جعل قتلهم والتخلص منهم كأفراد ومجموعات وبالتدريج هدفه الاستراتيجي.

نقطة ضعف الجيش النظامي، أن له مقرات وآليات وزيا معروفا وقيادات معروفة وتحركات مكشوفة، كونه جيشا نظاميا. نقطة قوة الجيش الحر، كونه جيشا غير نظامي وليس له مكاتب أو قواعد ثابتة، ولا يرتدي زيا موحدا ومعروفا، وقياداته متخفية عن الأنظار، وبالغالب ليست معروفة بالاسم والشكل. الجيش النظامي، بدكه لأماكن تواجدهم وبشراسة، جعل السكان الذين تتحرك مجموعات الجيش الحر بينهم، تخشى على نفسها من عاقبة أن تصبح مناطقهم ساحة قتال بينهم وبين الجيش النظامي، ويتحولوا إلى ضحايا لمجازر، قد لا تحمد عقباها، ولذلك بدأ بعضهم يتضايق من تواجدهم بينهم، ويبلغون الحكومة عنهم، قبل تثبيت مواقعهم بينهم، وهذا مكن الحكومة من خلق مناخ عام، داخل المدن والبلدات والقرى السورية، غير مرحب بهم، خاصة بعد ظهور مقاتلين أجانب بينهم.

ضعف الجيش الحر يتمثل في عدم توفر الإمداد له لا بالمقاتلين ولا بالسلاح والتمويل، أثناء الالتحام، حيث يحاصره الجيش النظامي، وينهيه بعد فترة تطول أو تقصر، لكون الجيش النظامي قادرا على التعويض عن خسائره مباشرة ولا يتسنى مثل هذا الدعم للجيش الحر. الجيش الحر يحاول الآن خلق مناطق محررة له في أرياف المدن، وخاصة شمال حلب وجنوب درعا، وفتح منافذ آمنة بينها وبين المدن، ليتمكنوا من إمداد أنفسهم أثناء الاشتباك المسلح داخل المدن، وتعويض خسائرهم بالمقاتلين والسلاح، أي خلق مناطق لوجستية آمنة لهم في أرياف المدن، تمكنهم من الصمود داخل المدن والحفاظ عليها تحت سيطرتهم. وهذا ما جعل القوى الداعمة لهم تستميت في محاولة إقناع مجلس الأمن لخلق ممرات آمنة أو مناطق محظورة الطيران، ليتسنى للجيش الحر السيطرة على بعض المدن بالكامل، وتحويلها لقواعد انطلاق للسيطرة على المزيد منها. وهذا سيقلب معادلة الحرب الثورية في الصراع، فالجيش الثوري (الحر)، أصبح يقاتل من أجل الجغرافيا، والجيش النظامي، يقاتل من أجل إنهاك وتدمير الجيش الحر. وهذا يجعل الجيش الثوري، يقاتل بتكتيك تقليدي والجيش التقليدي يقاتل بتكتيك ثوري، مما سيستنزف الجيش الحر سريعاً، في عدم وجود تدخل عسكري سريع.

الجيش الحر ليس وحده من يقاتل الجيش النظامي، فهنالك أطراف أخرى تقاتل إلى جانبه، من جهاديين عرب وأجانب، ويتواجد معهم بعض الخبراء الغربيين، كما أكدت بعض الصحف الغربية، وكذلك من الخارجين على القانون داخل سورية، وهم يعدون بالآلاف، حيث استغلوا الانفلات الأمني وأخذوا يعبثون بأمن المواطنين، ويتسمون بالجيش الحر. وهذا يشوه سمعة الجيش الحر في الداخل السوري والخارج، ويربك عملياته، وقد يحرمه من التسليح الجاد من الخارج، خشية أن تقع بأياد غير مأمونة الجانب، مثل تنظيم القاعدة.

وكون هناك جماعات أخرى تقاتل الجيش النظامي غير الجيش الحر، يعني أن اختراق جبهته ممكنة وتوريطه في صدامات ليست من صالحة، محتملة جداً إن لم تكن قد بدأت. وقد تستميل الحكومة ولاء بعض المجموعات المقاتلة، وخاصة المجموعات الخارجة على القانون، بالعفو والمال، وتشكيل ميليشيات شبه نظامية منهم، على شاكلة قوات درك، وتسلحهم وتستخدمهم لحماية القرى والأرياف، كما فعل الجيش الجزائري أثناء حربه الأهلية.

الجيش النظامي، برغم الانشقاقات التي حدثت فيه، يظل متماسكا كتنظيم ووحدات عسكرية، حيث لم ينشق عنه أي وحدة عسكرية بكامل عدتها وعتادها حتى الآن. حيث الجيش السوري جيش عقائدي ذو نزعة ثورية، قد يتماسك أكثر مع طول الحرب، خشية حله بعد الحرب، كما حدث للجيش العراقي. خاصة أن قتل قياداته وتفجير مقراته والقتل والتمثيل المريع بجثث بعض أفراده، وظهور مقاتلين أجانب يقاتلونه على أرضه، جعلته في موقف المدافع الشرس عن وجوده ككيان وطني. وعلى ذلك فقد أخذ الجيش يرهن وجوده، كجيش وطني له تاريخه، بوجود النظام الحالي، وهذا ما يبدو أنه قد يحدث، إن لم يكن قد حدث.

الجيش النظامي لديه خبرة 15 سنة في مواجهة المجموعات المسلحة غير النظامية في الحرب الأهلية في لبنان، مع معلومات استخباراتية أمده بها الجيش الجزائري، الذي تصدى لمجموعات جهادية لأكثر من عشر سنوات، مشابهة لما يتعرض له الجيش السوري. كما أن خبراء الجيش السوفيتي لدى الجيش السوري، قد خبروا حرب المدن جيداً واحترفها جيشهم في معارك ستالين جراد ولينين جراد ووارسو وبرلين وغيرها، في الحرب العالمية الثانية. والجيش السوري نفسه قد جهز وسلح ودرب وخطط لجيوش غير نظامية في لبنان والعراق وفلسطين.

ولذلك فحرب المدن والعصابات قد لا تربك الجيش النظامي كثيراً، وهو يتعامل معها بشبه حرفية؛ ولكن عامل الوقت، إن طال أو قصر، ليس بصالحه، فالإسراع في القضاء على الجيش الحر، يعني سقوط الكثير من المدنيين، والتدمير لمعظم مدن سورية وبناها التحتية. وإن أخذ وقته بمعالجة الموقف، من أجل الحصول على النصر بأقل الخسائر، فإن ذلك كذلك ليس في صالحه، خاصة كون خصوم النظام في الغرب والمنطقة يبذلون ويكثفون أقصى جهودهم، للبحث عن حجج ووسائل للتدخل العسكري الدولي داخل سورية.

زيادة على أن تكثيف الحرب الإعلامية على النظام السوري، قوية جداً وغير مسبوقة في التاريخ العسكري، ولم يسبق أن شهدت الحروب مثيلاً لها، وهذا يشكل عامل ضغط نفسي رهيب عليه وعلى حلفائه. كما أن إطالة أمد القتال بين الجيش الحر والجيش النظامي، وما يخلف ذلك من قتل للمواطنين وتدمير للمدن وتشريد للسكان، قد ينزع تعاطف فئات كثيرة من الشعب السوري مع الجيش الحر.

وطبعاً، الضحية كالعادة في الحروب الأهلية، هم الأبرياء الذين يقعون ضحية وسط تبادل إطلاق النار والقذائف الطائشة. وفي المحصلة النهائية، الجيش النظامي لن يهزم ببساطة، والجيش الحر لن يلقي سلاحه بسهولة، وبمعنى آخر، الحل السياسي هو المتاح أمام كل الأطراف، وإلا فالمزيد من الدم السوري الطاهر سيجري أنهارا في سورية.