مشكلة البطالة، هذه المشكلة الوطنية الكبرى التي أرهقت وزارة العمل لدينا في السنوات الأخيرة، ومن أجلها تمت الاستعانة بالخبراء والمستشارين من أرقى المكاتب والمعاهد الاستشارية في العالم، فخرجت لنا حلول برنامجي حافز وبرنامج نطاقات وهي للأمانة تعد أكبر الخطوات الجدية في الطريق الصحيح لمعالجة المشكلة، ولكن هل نكتفي بها ونترك السعي لحلول أخرى ربما تكون أكثر نجاعة وأقل تكلفة! يجب في البداية أن ندرك أننا اليوم بهذه الحلول مع ما يقرب من خمسمئة ألف عاطل -حسب إحصاءات وزارة العمل نفسها- نعالج شيئا من أخطاء الماضي المتعلقة بالتخطيط الاستراتيجي على مستوى الموارد البشرية والتوظيف في القطاعين العام والخاص، هذه الأخطاء التي اهتمت بتوجيه الموارد البشرية نحو شكل محدد من التخصصات والحرف والمهن دون أخرى جعلت في بلدنا ما يقارب الثمانية ملايين عامل أجنبي يحولون لبلدانهم ما يقارب المئة مليار ريال سنويا حسب آخر الإحصاءات الرسمية،
اليوم نحن أمام مجتمع يشكل الشباب فيه نحو 60% من تركيبته السكانية، هؤلاء الشباب يتوقون إلى العمل والكسب وتحقيق الذات وبناء الأسرة، كل هذه المطالب تأتي في ظل ظروف مختلفة تتسارع بشكل قوي عالميا سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي مما يثقل كاهل الحكومة بأن تكون حلولها نحو هذا الهم الوطني حلولا ناجعة وسريعة وذات أثر واضح.
لذا فإن مما يعد خيارا آخر وحلا لمشكلة البطالة ما يعرف بمفهوم (ريادة الأعمال) وهو باختصار أن يتجه الشباب لبناء مشاريعهم الخاصة المتوسطة والصغيرة طبعا بمساعدة الدولة في جوانب دعم المشروع ومساندته فنيا من خلال المستشارين المتخصصين، ولو نظرنا لهذا المفهوم ومدى جدواه فسوف نجد أن المشاريع المتوسطة والصغيرة هي العمود الفقري لكثير من اقتصادات الدول المتقدمة ناهيك عن الدول النامية، ولكن يبدو أن المرحلة السابقة التي عشناها في بلدنا من الرخاء والطفرة التي حققتها لنا مبيعات النفط لم تجعلنا نفكر في هذا الخيار على المستوى الوطني بشكل جدي وجعلت شبابنا يتجه نحو الوظيفة التي تمنحه مرتبا شهريا ودخلا جيدا بأعباء وظيفية يسيرة، فاستثمر الوافد هذا الغياب لفترة من الزمن وبدأ يستحوذ على قطاع مشاريع الخدمات والمقاولات والأعمال المهنية، وكل منا ربما يذكر أنه مر بوافد كان في سنته الأولى لإقامته بالمملكة فقيرا معدما لا يعرف حتى أن ينطق بكلمة "ما فيه معلوم" ثم أصبح بعد سنتين أو ثلاثة أو حتى خمس سنوات يحول عشرات بل مئات الآلاف من الريالات شهريا للخارج.
فنحن لدينا بيئة محلية خصبة للإنتاج والعمل والكسب في مقابل طاقة شبابية غير مستثمرة بفاعليتها الكاملة وثقافة مجتمع تعتمد على الوافد وتمنحه الثقة المطلقة.
اليوم نحن أمام تحديات عديدة تتعلق بتزايد أعداد العاطلين والنمو السكاني العام في مقابل توسع كبير في بند النفقات الحكومية مما يجعل هذا الخيار حلا استراتيجيا سيحقق للوطن الكثير من الفوائد المتعلقة بتقوية الاقتصاد الداخلي للدولة، وتوفير فرص العمل للشباب حيث سيوفر رب العمل وصاحب الريادة أكثر من فرصة عمل للشباب الآخرين، وفوائد أخرى تتعلق بأمن المجتمع واستقراره نتيجة لوصوله لمرحلة الاكتفاء والإنتاج مما يولد لديه مشاعر الرضا والطمأنينة. ورغم هذه الصورة المثالية لفوائد ريادة الأعمال وحملها للكثير من الأحلام الوردية لقطاع الشباب إلا أننا نواجه في بيئتنا الإدارية الحكومية الكثير من العراقيل نحو تنفيذها وأبرزها تلك المتعلقة بتبسيط الإجراءات وتسهيلها نحو رائد الأعمال ليمضي في طريقه الصعب بكل ثبات، يقول البريطاني جيمس كان أحد أكبر المهتمين بريادة الأعمال والرئيس التنفيذي لشركة هاميلتون برادشو في منتدى جدة الاقتصادي الأخير بأن على حكومات الشرق الأوسط أن تعمل على تسهيل الإجراءات المتعلقة بدعم الشباب للعمل الحر وأن تسهل لهم الحصول على الدعم وأن تتبنى دعم مشاريع الشباب فنيا في بدايات المشروع بحيث تضمن للجادين قطع 50% من مشوارهم على الأقل بسلام. ويذكر أنه يوجد لدينا جهود منتشرة لمبادرات هنا وهناك لمشروع ريادة الأعمال خاصة في الغرف التجارية وفي بعض الجامعات السعودية ومؤخرا أنشئت الجمعية السعودية لريادة الأعمال بجامعة الملك سعود كواجهة معرفية وبحثية لتأصيل هذا المفهوم ولكن كل هذه المبادرات بحاجة إلى أن تجمع شتاتها مرة أخرى وتنتظم للمجتمع بصورة مشروع وطني وخيار استراتيجي اقتصادي كبير تسخر لأجله كل الإمكانات وتذلل له كل العقبات.
إن مشكلة البطالة لا تحمل بين جوانبها بعدا معيشيا يغير في نسبة الرفاه لأي مجتمع بل هي أزمة حقيقية يجب التنبه لها وتفعيل كل مسارات الحلول بشكل متواز في الطرح والتفعيل فما زالت الحلول بأيدينا وما زالت المشكلة تحت السيطرة إلا أن تأخر الحلول وتعقيد إجراءاتها هو ما سيكون محل خوف على المستقبل!