ولكم أن تدركوا، وهذا مهم، أنني أكتب مقالي الأول والمباشر، إلى سعادة أمين مدينتي، بعد مايقرب من ألف يوم على بدء مهام عمله. والسبب أن سعادته أبدى امتعاضا، ذات يوم مضى، من سؤال شارد لصديق عن أشهر أنفاق العالم قاطبة في خميس مشيط، بتبرير أن السؤال استعجل سعادة الأمين إلى إجابة لم يكتمل لها الوقت كي نرفع له أصابع المسؤولية.

انتظرت هذه الفترة الطويلة اسم (الأمين والأمانة) على العنوان، حتى لاتهرب المبررات تحت جُفاء سيول الأسئلة، وأكتب بالرغم من أنه قد اكتمل لدي أن سعادة الأمين لايلتفت عادة لما يُكتب، وكل اعتذاري منه أننا قد نشغله عن الأهم، وكل عذري منه أننا نكتب له في يوم إجازته.

سأقول لسعادة الأمين الكريم: إن أكثر مايلفت ـ بالعين المجردة في عهده الإداري ـ أن ظهور العشوائيات أصبح ظاهرة مخيفة، وأن عهده قد شهد من "الأسوار" على الأماكن الشاسعة ما يكفي ـ ربما ـ لضلع كامل من سور الصين.

في عهده الإداري أيضا، عرفت عشرات المواطنين الذين يشترون مستقبل حياتهم السكني من هوامير "تبتير" وبيع المخططات العشوائية، لسبب جوهري في المقابل، هو أن الأمانة والأمين، وبالبرهان، قد رفضت في أقل من عامين، اعتمادا، أو رفضت اعتمادا سابقا لما يقل عن أربعين مخططا سكنيا للقطاع الخاص في محيط أبها الحضرية، وقد يكون لسعادته وللأمانة عذر المعايير، ولكنه هو أيضا العذر الذي رفع أسعار الأراضي إلى رقم باتت فيه أحلام السكن خيالا لآلاف الحالمين، وأصبحت فيه تجارة الأراضي مجرد دُولة بين أغنياء هذه المدينة. وكنا سنسكت احتراما لعذر المعيار، لولا أن البدائل كانت في العشوائيات من وضع اليد.

وعذرا سعادة الأمين، فطبيعة هذه المدينة بالتحديد لاتحتمل مزيدا من التجريف والهدم. نحن لانريد من التنمية أن تزيل آكام الجبال، وأن تصادر قسوة صخورها التي قاومت ألف عام من التعرية، ولكنها لم تقاوم ألف يوم من عبث القرار الإداري. وبدلا من تجريف جبل من أجل مشروع، انقل المشروع إلى خارج المدينة. بدلا من قطع آلاف الأشجار لمشروع، انقل مئات الموظفين إلى خارج المدينة.

ألف يوم من "اللاشيء" تكفي اليوم لشيء من سؤال.