نحن مستجدون على الفن، فهو حتى وقتٍ قريب من خوارم المروءة، وعيب فاضح، وقيمة لا يعتد بها إنسانياً. لذا أصبحنا عاطلين فنياً، نهتم بالفن بقدر اهتمامنا بحديث جانبي بين زوجين بكوخهما الصغير بالريف الفرنسي.. أشكال بيوتنا التي يعلوها "القرميد" الأحمر الذي لم يصنع لنا؛ لا تشبهنا، متراصة تستطيع بالكاد إيجاد الفروق الخمسة بينها.. بداخلها غرف خانقة محشوة بالزخارف التي لا ترتبط ببعضها بعلاقة من أي نوع.. جدران ثم جدران، أبواب توازيها أبواب.. زنازين تحاول أن تمثل دور الغرف ومتاهات تدّعي أنها ممرات.. أسقف تجعلك تشك بأنك في مركبة فضائية.. شوارع تغرس فيها الأشجار وكأنها تعاقب بها كي لا تهرب، في حين تصطف على جوانبها لوحات محلاتنا المعجونة بكل لون وأي خط، صحائف دعائية تنتظرك قبل كل إشارة بصورة رجل يمثل السعادة وعبارات طويلة يلزمك أن تقضي ربع حياتك بقراءتها.

مشوارك الطويل لعملك تجاورك فيه الخراسانات التي تكفي لصنع مدينة أخرى بقبو هذه المدينة، الأغنيات الجميلة التي تمني نفسك بالاستماع لها بالراديو لا أحد يطلبها.. تشكيلات صغيرة لا يمكن أن توصل لك رسالة عن ماهيتها.. طاقة ضوئية لا يمكن لك أن تتحملها بكل مكان تلفح وجهك، وكأنك استلقيت للتو تحت مصباح طبيب أسنان.. تماثيلنا - التي نعتقد - أنها تزين مدننا ما هي إلا أعمدة متداخلة بكتل أسمنتية مصفوفة بطريقة مريبة أو مجسمات لصحون طعام متضخمة، وسيارات رمادية عملاقة.. البساطة الأنيقة هنا تعد فعلاً فنياً شاذاً، وعملاً إبداعياً لا قيمة له. المحك الحقيقي لأن تحب الناس ما تراه هو أن يكون مدججاً بكل شيء، أنت لا تفهم إن قلت لهم عكس ذلك.

سيادة الفن، القيمة الإنسانية العليا: نحن واللهِ آسفون.