محمد علي ناشب - جازان
إن الأساليب التي يقوم بها النظام السوري في محاولاته المصيرية لاحتواء الأزمة المتصاعدة في شتى أرجاء البلاد من خلال القمع الدموي والوحشي ضد شعبه الذي خلف آلاف القتلى منذ شهور وبحصيلات يومية تجاوزت المئة، ومحاولاته المستمرة في إقحام العنصر الطائفي في جوهر الأزمة لجر البلاد إلى حرب أهلية ستفكك نسيج الترابط السوري وتجعل من سورية ساحة مواجهات عرقية تخل بالتوازن الاجتماعي الذي يتسم به السوريون منذ خروج الاحتلال الفرنسي إلى الآن. فرغم أن الثورة السورية متفقة بأهدافها مع الثورات الأخرى إلا أنها مختلفة بجوهرها عن سابقاتها باختلاف عدة عوامل ومتغيرات أخرت حسم ثورتها منذ عام، فعمق العلاقات التاريخية التي وثقتها سورية مع روسيا والصين عن طريق التبادلات التجارية والربط الثقافي المشترك والتعاون العسكري الاستراتيجي الطموح لمجابهة الغرب أصبح له تأثيره الفعال في هذه الأزمة.
فعندما أفشلت روسيا والصين المشروع العربي في مجلس الأمن- الذي يدين الانتهاكات الإنسانية من قبل النظام والداعم لجهود نقل السلطة سلميا، والذي كان بمثابة حل أخير وورقة مساومة دبلوماسية على الطاولة الدولية لإجبار النظام على وقف التصعيد العسكري ضد المدنيين- لم يبن هذا القرار على أساس الصالح السوري من التدخل الخارجي بقدر ما فيه إقصاء للجانب الإنساني من القضية وفي محاولة منهما لإعادة إثبات وجودهما على الساحة الدولية، وعدم الالتفات للإملاءات الغربية، والحفاظ على العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع سورية في نفس الوقت باعتبارها نافذة شرق أوسطية لهما. أما وبحكم موقع سورية الجغرافي الحساس الملاصق لقوى إقليمية- لاسيما الاحتلال الإسرائيلي- أصبح من الواضح ملاحظة مدى التلكؤ الغربي حيال ما يجري في سورية من مجازر بسبب المخاوف المترتبة من البديل الذي قد يأتي مشابها لسيناريو مصر وتونس بفوز الإسلاميين بالأغلبية الساحقة، والذي قد يصعد من حدة التوتر بينها وإسرائيل، أو قد يهدَدَ وجودها في الأصل, وأيضا الأوضاع الاقتصادية الأوروبية المتقلبة والتي أثرت وبشكل جذري على القرار العسكري للشأن السوري؛ باعتبار أن الحرب على سورية لابد أن ترتكز على قاعدة اقتصادية متينة ولا تؤثر سلبا على الخزينة الوطنية في ظل مساعٍ أوروبية لاتخاذ خطط تقشفية لتجاوز حالات عجز اقتصادية معقدة. ولكن وفي ظل كل هذه النزاعات السياسية والصراعات القطبية حول الملف السوري إلا أن أفق الحل السياسي ما زال متجلياً، ويكمن في زيادة الضغط الدولي على النظام وجعله أكثر عزلة عن طريق الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري ودعم وتسليح الجيش الحر رغم المخاطر التي من الممكن أن تعقب هذا القرار بالتسبب في إحداث حالة من الإرباك السياسي والانفلات الأمني، أو السماح بدخول قوات عربية مشتركة بإشراف الأمم المتحدة لتساهم في وقف نزيف الدم السوري المستمر منذ عام وكبح جميع مظاهر التسلح التي يقوم بها النظام، وإنشاء منطقة عازلة للمدنيين توفر لهم بيئة احتجاجية آمنة، وإجبار الأسد كحل حسمي على تسليم السلطة لنائبه، وتحديد جدول زمني عبر طاولة حوار وطني للاستعداد للبدء في عملية انتقالية سلسلة وناجحة مشابهة للنموذج اليمني الذي أثبت نجاحه والتحضير لإعادة هيكلة البنية السياسية والوطنية عن طريق انتخابات برلمانية لتصبح متوافقة مع كافة الأطراف ولاسيما مع الأكراد، وصياغة دستور عام وشامل يكفل حق حرية التعبير والتعددية السياسية والحزبية واستقلالية القضاء ليعبر عن نموذج للدولة السورية الديمقراطية الحديثة، وبموازاة ذلك فإن النظام يهمه عامل الوقت للقضاء على هذه الثورة وتجفيف منابعها، وما سيكشف عنه المستقبل السوري قد ينذر بخسائر فادحة وبكارثة إنسانية بحتة، فآلة القمع ما زالت تحصد، والدم السوري ما زال ينزف، ويبقى السوريون وحدهم ضحية هذا الصراع.. صراع الحرية.