... وهو مطلع لقصيدة كتبها زكي ناصيف، غنتها فيروز، وتتمته (وفي القلب حسرة، وفي العين دمع دافق وغزير). غير أن الترحيب الحار الذي لاقته هيفاء المنصور التي تعتبر أول مخرجة سعودية الجمعة الماضية بعد عرض أول فيلم طويل صور بالكامل في السعودية، بحسب تقرير وكالة الأنباء الفرنسية عن مهرجان البندقية، ربما يشعل اللوعة والحنين مجددا في حنايا كل المتشوقين لصناعة سينمائية حقيقية يمكنها أن تروي عطش السنين لعشرات الشبان، وتوفر لهم مسارات إبداع حيوية وخلاقة، تكفل لهم التعبير عن مكنوناتهم، وتقدم صورة أخرى عن مجتمعهم بكل ما يفيض فيه من رؤى وأشواق وأحلام، لا يقولها إلا الفن، ذلك المرتقى الصعب من العطاء الإنساني الذي يرقق الوجدان، ويفتح آفاق الأسئلة المحققة لوجود أكثر إنسانية، وأرحب غناءً وابتهاجا، وابتعادا عن الاحتقان والتشنج، وما إلى ذلك من موبقات تعكر صفو الحياة، وتربك خطى المجتمعات، في سعيها نحو ما هو أجمل.. وأكثر إشراقا.

"وجدة" فيلم مؤثر عن فتاة في العاشرة من عمرها، تريد الحصول على دراجة هوائية بأي ثمن، وتضع خططا للحصول على ما يكفي من مال لشرائها، وعرض الفيلم في إطار الأفلام المعروضة خارج المنافسة بمهرجان البندقية. بينما قالت المنصور لـ"فرانس برس" إن الطريقة التي قابل فيها الجمهور فيلمها "مؤثرة جدا بالنسبة لي". اهتزت القاعة بالتصفيق بعد عرض الفيلم، ولكن هذا الإعجاب بتجربتها لم ينسها ما يردده كل المهمومين بالفن الحقيقي الذين يناجونه سرا، ومعظم المشتغلين في هذا الحقل الصعب المحاط بوابل من الألغام وخطابات الإقصاء، الإشارة إلى أن إنتاج الأفلام في بلدها "ينطوي على مخاطر تجارية، والحصول على التمويل صعب". مما يفضي إلى خلق حالة نفتقر فيها إلى ثقافة تصوير الأفلام، بحسب ما نسب إليها، تحدثت هيفاء عن مصاعب التصوير قائلة "أثناء التصوير كان ينبغي لي أن أتواصل مع الممثلين عبر جهاز لا سلكي، وفي بعض الأحيان كان الناس يأتون إلينا ليطلبوا منا المغادرة، وفي أحياء أخرى كان الناس يأتون ليلتقطوا صورا لنا". والذي يبدو لي الآن/ هنا أن المشكلة لا تقتصر على صناعة السينما فحسب، بل هي – في ظني – مشكلة كبرى تتعلق بالموقف من الفنون ككل، والوعي الجمعي بدور الفن كمنتج ومعطى حضاري، يعبر بعمق عن المجتمعات وأنماط التفكير السائدة فيها، وماهية اهتماماتها، وما إلى ذلك من رؤى تعبر عن هذا المجتمع أو ذاك، وأفصح مثال يقول ذلك ما يمكن أن ترصده من تعليقات إزاء اجتهاد فردي كحالة هيفاء، أو حيال مقالة صغيرة كهذه التي أنشرها هنا!