حجم الأموال التي تعتمدها الدولة في كل عام عبر الميزانية العامة لبند الصيانة كبير جدا، وهو بند دائم لأن جل المشاريع سواء القديم منها أو الجديد تعتمد لها مبالغ للصيانة فور تدشينها، واللافت أن هذه المبالغ التي كما أسلفت تسجل رقما كبيرا من المال العام لا يوجد لها ترجمة واضحة وملموسة على أرض الواقع، ولعل هناك الكثير من هذه الاعتمادات الخاصة بالصيانة لا يمكن لرجل الشارع العادي التحقق مما إذا كانت قد صرفت في وجهها الصحيح أم لا؟ إلا أنه في المقابل يمكن لنفس هذا المواطن البسيط أن يدرك بكل دقة من خلال ما يلمس ويرى في حياته اليومية ما يفيد أن هناك الكثير من المناحي لم تقترب منها الصيانة أبدا، أو لم تأخذ حقها من الصيانة كما ينبغي، مما يعني أن الجهات المعنية بالصيانة تحقق أكبر قدر من الأرباح بأقل تكلفة.

فبند الصيانة غير مفعل لدى الكثير من المقاولين الذين بات بند الصيانة يمثل لهم دخلا ماديا شبه ثابت دون أن يصرفوا منه ريالا واحدا، أو هكذا يبدو بسبب حجم القصور ووضوح العيوب والخلل في عدد لا يحصى من تلك المشاريع والأماكن والمناحي التي تحتاج إلى صيانة.

ويبدو لي وكما أكد لي مسؤول في إحدى الإدارات الحكومية أن المشكلة تكمن في غياب الرقيب الفعلي عن أولئك المقاولين والشركات والجهات المعنية بمسألة الصيانة، بل المشكلة أنه ومع مرور الأيام تظهر هناك صداقات بين ذلك المقاول أو ممثله مع بعض مسؤولي الإدارات الحكومية أو ممثليها، وبالتالي تصبح مسألة الرقابة والمساءلة شبه معدومة إذ تحل مكانها المجاملات والمحسوبيات.

ما أتحدث عنه واضح جدا، ويمكن لكل مواطن أن يسجل يوميا حالات كثيرة وبسيطة يستدل عليها بالعين المجردة، فكيف بما هو غير مرئي! ولهذا أستغرب مثلما يستغرب غيري من غياب الجهات الرقابية عن هذا الهدر المالي الكبير الناجم عن ضياع الذمة عند البعض، والتهاون واللامبالاة عند البعض الآخر، والذي حتما ينجم عنه أحيانا وقوع كوارث سرعان ما يتضح أن سببها انعدام الصيانة رغم وجود اعتمادات كبيرة لهذا البند.