لم يكن الأميركي يوسف العلامي يتصور يوماً أنه سيكتب أكثر من 20 تغريدة بموقع "تويتر"، بعد زيارته لـ"جدة" المدينة الواقعة على منتصف الساحل الشرقي من البحر الأحمر، بعد زيارة لها بغرض "أداء مناسك العمرة"، بدعوة من أحد أصدقائه.

"تغريدات العلامي"، كتبها بعد جولة عريضة قام بها في قلب جدة "المنطقة التاريخية"، وبعض متاحفها التاريخية، بصحبة أحد أصدقائه المقيمين في جدة منذ حوالي 17 عاما، ورفيق دربه في التعليم العام في مدينة الدار البيضاء المغربية، قبل أن يهاجر منتصف التسعينات الميلادية إلى الولايات المتحدة الأميركية.

يقول يوسف في تغريدته العاشرة: "عذراً لكل الأماكن التي زرتها، لكن هذه المدينة أدهشتني بمنطقتها التاريخية، وحيوية أيام زمان فيها"، العلامي (38 عاماً) يقطن حالياً بثاني أكبر مدينة في ولاية فلوريدا وهي "ميامي"، التي تكنى بمدينة السحر، وهي تعتبر مركزاً اقتصادياً وثقافياً مهماً في الولاية.

يقول العلامي في حديثه الخاص إلى "الوطن" إنه تجول في حدود الكيلو متر المربع - مساحة المنطقة التاريخية-، متنقلاً بين البيوت والأسواق القديمة، وأخذ يلتقط صوراً يحاول من خلالها توثيق ذاكرته التاريخية.

لم يكن يوسف يعلم قبل مقدمه للديار المقدسة أن جدة تحوي كل هذا التاريخ الأثري الكبير، وإن كان يرفع لواء "النقد البناء" ويؤكد عدم إعطاء هذه المنطقة حقها من السياحة الأثرية، حيث كان يبحث باستمرار عن دليل سياحي مكتوب سواء باللغة العربية أو الإنجليزية، يكون معينا له لزيارة هذه المواقع، إلا أنه لم يجد ذلك.

ولكن يوسف استعان بمجموعة أوراق مطبوعة نسخها من الموسوعة العالمية الحرة "ويكبيديا"، من الإنترنت، حيث لم يجد غيرها، رغم علمه بأن بعض المعلومات الواردة في الموسوعة في نسختها العربية قد تكون غير دقيقة في تفاصيلها عن تراث المنطقة التاريخية.

المساجد التاريخية في المنطقة أكثر ما جذبت يوسف، لتاريخها الكبير والعصور المتعاقبة التي مرت على إنشائها، وقف بجوار الجامع العتيق مسجد الشافعي ( الواقع في حارة المظلوم أقدم حارات جدة) ذات القرون الثمانية (800 عام)، مندهشاً بالقيمة التاريخية للمسجد، الذي تجرى حالياً إعادة ترميمه، عبر خبراء عالميين في ترميم الأماكن الأثرية، وذلك لرمزيته التاريخية، حيث تكفل به خادم الحرمين الشريفين بإعادة تجديده وترميمه.

أزقة جدة وأرضية الحارات القديمة كادت "تجن جنون" العلامي لجماليتها - كما يقول- وكان أحد دوافع ذلك الهوس أن الرجل لديه أعمال خاصة في تجارة "الأنتيك"، التي يتداول فيها تجار هذه المهنة أدوات قديمة يندرج بعضها تحت مسمى "الأثري".

شاءت الأقدار أن يزور العلامي بالمصادفة متحف عبد الرؤوف خليل، الواقع في الجزء الشمالي من جدة، وهو صرح حضاري يجسد نمط المباني التراثية القديمة بالمنطقة الغربية.

وبينما كان يتجول في قطاعات المتحف الثلاثة التي تتحدث عن التراث السعودي القديم، والعثماني والأوروبي، كانت إحدى القاعات الداخلية بالمتحف تحتفي بصدور أحد الكتب، ليدخل العلامي بالمصادفة ليجد أن الاحتفاء مخصصا لأحد مؤرخي جدة وهو الدكتور عبدالله مناع الذي دشن أحدث كتبه عن تاريخ هذه المدينة.

الكتاب حمل عنوان "جدة ذاكرة الإنسان والمكان .. تاريخ ما لم يؤرخ"، يقول العلامي :" فرحت جداً بهذا الكتاب لأنه كان عبارة عن سرد لحكايات عن أغلب أعيان المنطقة التاريخية، التي ستمدني بمعلومات جديدة أستطيع الحديث عنها أمام أصدقائي الأميركان، وهي معلومات لم يسمعوها من قبل عن جدة، بل أقول بثقة إن عددا كبيرا من ساكنيها لم يسمعوها من قبل"، وأصر يوسف على شراء أكثر من نسخة من الكتاب ليهديها إلى محبي هذه المدينة الحالة.