لم أكن أرغب في التداخل بمقالتي اليوم في موضوع ما زال تحت الدراسة، ولأول مرة في تاريخ العمل في المملكة يطرح موضوع يتعلق بأطراف الإنتاج الثلاثة: (العمال وأصحاب العمل والحكومة)، للحوار الاجتماعي رغبة في تقديم تصور موحد لقضية معينة تهم الأطراف أو تصورات مختلفة الرؤى حسب اختلاف المصالح مدعماً بالحجج المساندة للآراء، وهو توجه في الطريق الصحيح للدولة عند رغبتها في إصدار نظام أو تنظيم جديد موجه لفئات معينة في المجتمع، وإن لم نكن متعودين على هذا التوجه لأن المعتاد عليه إصدار الأنظمة أو التنظيمات من جانب واحد دون أخذ وجهة نظر المستفيدين من الخدمة محور التنظيم.

ولخبرتي السابقة في عضوية منظمة العمل الدولية والعربية التي تجاوزت 25 عاماً فإنني أشكر القائمين على فكرة الحوار الاجتماعي للوصول إلى آراء توافقية بين أطراف الإنتاج، وهو توجه تطالب به منظمة العمل الدولية وتؤكد على أهمية التزام الحكومات بالحوار الاجتماعي وبكل حيادية.

لم أكن أرغب في التداخل اليوم قبل أن ينتهي الحوار الاجتماعي ونستمع إلى توصيات أطراف الإنتاج تجاه إجازة العمل الأسبوعية يومين عوضاً عن يوم واحد للعمال. وكنت أتمنى على زملائي الأعزاء وأصدقائي الأحباء في غرفتي جدة والمنطقة الشرقية الانتظار والتريث في إبداء مرئياتهم الشخصية حتى لا تؤثر آراؤهم على آراء أطراف الحوار أو تتسبب في إثارة العمال على أصحاب العمل، ولا سيما أن مجلس الغرف السعودية ممثلاً في الحوار الاجتماعي مع مثيلته اللجنة العمالية الوطنية، بالإضافة إلى الدولة الممثلة بوزارة العمل.

أؤكد أنني مع حرية الرأي الشخصي وهو يمثل الديمقراطية في الحكم والإدارة، والرأي الشخصي مُحترم دائماً سواء كان مع أو ضد. أما آراء القائمين على المؤسسات الممثلة لمجتمع مدني سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو عمالية فإن آراءهم إذا أسندت إلى وظائفهم في المؤسسات فهم يمثلون رأي منظماتهم، وإذا أسندت إلى آرائهم الشخصية فهم يمارسون حقهم الشرعي في إبداء الرأي. وإنني أعتقد ـ وقد أجزم بأن اعتقادي صادق ـ بأن آراء نواب رؤساء غرفة جدة وغرفة الشرقية التي نشرت في جريدة الاقتصادية بتاريخ 29/08/2012 لغرفة جدة وعدد 6898 بتاريخ الخميس 12 شوال 1433هـ لغرفة الشرقية - حيث أوضح نائبا الرئيس عدم ملائمة القرار للقطاع الخاص - هي آراء شخصية قد لا تمثل مجالس الإدارات. ومع كامل تقديري للزملاء وعلى مبدأ حرية الآراء الشخصية واحترام المصالح الخاصة أستميحهم عذراً بالرد الشخصي، ليس بصفتي عضو مجلس إدارة غرفة جدة ولكن بصفتي رجل أعمال ومن أصحاب المصالح الخاصة مثلهم، حيث ينتمي لمجموعتنا التجارية الصناعية والتعليمية حوالي 1000 موظف، أكثر من 50% منهم سعوديون، حيث كان نظام العمل لدينا في معظم الشركات ستة أيام في الأسبوع وكان هذا هو أحد أسباب عزوف الشباب السعودي عن العمل في المجموعة، ولم تكن نسب السعودة وصلت آنذاك إلى 15% وقبل ثلاث سنوات قررنا تغيير نظام العمل الأسبوعي إلى خمسة أيام وتوزيع ساعات عمل يوم الخميس على أيام العمل الخمسة. وكانت النتيجة زيادة في الإنتاجية من الموظفين على رأس العمل وارتفاع نسب راغبي التقدم للعمل من السعوديين، واستطعنا أن نصل إلى نسبة تجاوزت 50% للسعوديين ولا زال العمل جاريا لرفع النسبة. وإذا احتاج العمل ليوم الخميس فهناك تنظيم لأيام الإجازات لبعض الموظفين مثل حراس الأمن والصيانة والتشغيل.

إن فكرة توزيع ساعات عمل يوم الإجازة الثاني هي فكرة مطبقة في جميع الدول المتقدمة، وإن إجازة اليومين هي إجازة يستمتع بها معظم العمال في جميع أنحاء العالم المتقدم، وعلى رأسها الدول الصناعية، دون الإقلال أو الإنقاص من حقوق أصحاب الأعمال حسب نظام العمل 48 ساعة أسبوعياً.. وأكبر مثال على ذلك الشركات المساهمة السعودية وعلى رأسها البنوك وشركة أرامكو وسابك والخطوط السعودية وشركة الكهرباء، ومنظمات المجتمع المدني وعلى رأسها الغرف التجارية.

إن مبدأ التفرقة بين العامل السعودي والعامل الأجنبي في الحقوق والواجبات هو أمر ترفضه الأديان والأنظمة والقوانين الدولية، وعلى رأسها قانون العمل الدولي وترفضه منظمات حقوق الإنسان، ولهذا فإن النظام الجديد إذا تم الاتفاق عليه فهو ملزم التطبيق على جميع الجنسيات مع الالتزام بساعات العمل الأساسية 48 ساعة.

مع علمي التام بأن قرار الإجازة لمدة يومين للعمال قد يؤثر سلباً في بعض الأجزاء على القطاع الأهلي، إلا أن إعادة توزيع ساعات العمل على أيام الأسبوع الخمسة سوف تُعالج القضية، وأجزم بأن إعادة تنظيم أيام العمل وساعات العمل ستدفع بالشباب السعودي للعمل في القطاع الأهلي، وعلى وجه الخصوص تجارة التجزئة التي تلقي التهمة دائماً على الشباب السعودي بأنه لا يقدم عليها. والحقيقة هي أن معظمها تجارة تستر يملكها أجانب ويعملون عليها طيلة أيام الأسبوع والشهر والسنة، ليل نهار، وهذا لا يمكن قبوله من العمال المواطنين الذين تربطهم مسؤوليات تجاه أسرهم وأبنائهم.

عذراً زملائي أصحاب الرأي الآخر في الغرف التجارية، هذه آرائي الشخصية وسوف ألتزم بها وأدافع عن حقوق العمال وأصحاب العمل أينما كانوا وأينما كنت، ومن منا لم يكن عاملاً في بداية حياته حتى أصبح صاحب عمل.

وبصرف النظر عن مواقعنا إلا أنه من الواجب علينا أن نلتزم بنتائج الحوار الاجتماعي، ونقبل بالآراء التوفيقية مع عدم الإضرار بالمصالح المشتركة لأصحاب العمل والعمال. فنحن شركاء في الإنتاج، وبدون عمال لن يكون هناك إنتاج أو خدمة، وبدون مشاريع أصحاب العمل لن تكون هناك فرص عمل.

إن كان هناك من يعتقد أن قرار الإجازة لمدة يومين سيرفع التكلفة 15% فهناك من يعتقد أن زيادة ساعات العمل اليومية ساعة ونصف لخمسة أيام سوف يخفض التكلفة التشغيلية لليوم السادس، وسيعمل على زيادة الرغبة في العمل وارتفاع الأداء وتحسين أجواء العمل وظروفه، وسيسهم في تفعيل العلاقات الاجتماعية والأسرية، وسيحافظ على الحالة الصحية للعامل مما يخفض من نسب التوقف عن العمل بسبب المرض أو إعاقات العمل.