فجّر د. عبدالرحمن العناد عضو مجلس الشورى السعودي، قبل أسبوعين، الحديث عن أداء ودور المجلس في المنتديات الإعلامية والمجالس الشعبية، حيث قال: "إن دور مجلس الشورى السعودي لا يتعدى البصمَ على الأوراق"، فردَّ عيه مباشرة رئيس المجلس الدكتور عبدالله آل الشيخ بقوله: "إنّ مجلس الشورى لا يتلقى أي توصيات أو أوامر من أحد، وإن من حق أعضائه إبداء آرائهم على التقارير التي تردُ إلى المجلس من الجهات الحكومية".
والحقيقة؛ أن مداخلة د.العناد أشعلت الحديث حيال دورِ وأداء مجلس الشورى السعودي، الذي يراه كثيرٌ من المراقبين والمهتمين بالشأن العام بأنه: "ضعيف، ولا يتواكب مع الحراك المجتمعي والتنموي الكبير الذي تشهده السعودية". بل حتى سمعة المجلس - خصوصا لدى الأجيال الجديدة - ويكتنفها كثير من السلبية، لذلك لم أفاجأ عندما جاءت نسبة التصويت في أحد البرامج الفضائية 91% تأييدا لمداخلة د. العناد بأن مجلس الشورى هو مجلس (بصمجية)، وأكثر من ذلك أن المجلس بات ملجأ أو منفى لكبار البيروقراطيين الذين تودُّ الدولة إبعادهم عن مناصبهم بطريقة تقديرية، وأنّ المجلس عاجزٌ عن القيام بدور رقابي فاعل، فيما استغرق بكليته في الدور التشريعي، وأن أعضاءه، من وحي تعيينهم، لا يهتمون كثيرا بشؤون المواطن، وقد سطرت تلك الاتهامات في رسائل جامعية وكتب أصدرها بعض من عمل تحت قبّة المجلس لثلاث دورات متتالية.
لا أودّ الاستطراد في جلد المجلس وأدائه، لكن ماذا نفعل ونحن نقرأ في كتاب معالي الدكتور عبدالعزيز الثنيان (سنوات في مجلس الشورى) يصف من وحي تجربته أداء زملائه بأن منهم فريقاً يلتزم الصمت فلا يتصدى لمناقشة ولا يطلب مداخلة، وهو ما أشار إليه الزميل سعود البلوي في مقالته بـ"الوطن" (10 يوليو2010م) بأن: "هناك أعضاء شورى دلفوا للمجلس وخرجوا ولم يتفوهوا بكلمة!" ، فيما يشير د. الثنيان في كتابه، إلى أن ثمة آخرين لا همّ لهم سوى الاستعراض المنبري وأنهم يتسابقون للحديث ورفع العقائر دون أن يقدموا جديداً؛ فهم بالكاد يجترّون آراء الآخرين، ويختم معاليه ببيت شعر معبّر:
قليلُ الصواب إذا ما ارتأى
رديء البيان إذا ما نطق
الدكتور فالح الفالح، أمضى اثنتي عشرة سنة تحت قبّة المجلس، وكتب بعد كل هذه الفترة الطويلة رؤيته، وأبان بأن "ثلث أعضاء المجلس متفاعل وعالي الإنتاج، وثلث متوسط الإنتاجية والتأثير، ويتدنى الأداء في الثلث الباقي إلى درجة مؤسفة"، والحقيقة؛ صُعقت جداً وأنا أقرأ هذه النسبة المخيفة التي تصل إنتاجيتها لهذا المستوى المؤسف، بمعنى أن خمسين عضواً في المجلس يوصم بهذه الإنتاجية!! يجب أن يقف المجتمع بحزم من هؤلاء الذين ائتمنهم ولي الأمر، وعينوا بصفتهم لسان (الشعب) بحسب تعبير أحد أعضاء المجلس..
أسأل هؤلاء: أين ذهب قسَمهم العظيم الذي يزلزل الجبال أمام خادم الحرمين بأنهم سيكونون مخلصين للبلاد وأن يحافظوا على مصالحها وأن يؤدوا أعمالهم بصدق وأمانة وإخلاص وعدل؟! فهل تأخرهم الدائم وغياباتهم المستمرة وعدم مبالاتهم يترجم هذا القسم العظيم؟!
لست في مجال كشف الخلل، لمعرفتي بأن حال المجلس كحال معظم الوزارات لدينا، وبه الفروق الفردية بين أعضائه، لكنني أتجه هنا إلى تقديم بعض الاقتراحات لتحسين صورة المجلس من جهة، والمساعدة في منحه بعض الصلاحيات التي تخطو به قدماً لمواكبة هذا الحراك الكبير في عهد والدنا خادم الحرمين الشريفين، وتأتي في مقدمتها؛ إعادة النظر في التعاطي الإعلامي للمجلس، فثمة قصور معيب جداً لرئيس المجلس وأعضائه في إبراز دور وجهود المجلس التي أدرك أن بعضها كبير جدا، ولكنها لم تخدم إعلامياً، بل حتى تصريح (البصمجية) الشهير للدكتور العناد، أبان د. خضر القرشي - في حوار فضائي أخير- بأنه متقوّل عليه، وأن الصحافة حرّفت الخبر، وهنا أسأل طالما القضية كانت كذلك؛ لماذا لم يبادر المجلس لنفي هذه التهمة الشديدة؟ بل أستغرب من د. العناد وهو الإعلامي، أن يسكت على ذلك، إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها؟
صورة المجلس شعبياً وإعلامياً شاحبة، وتحتاج إلى كثير من إعادة النظر، والمجلس يزخر بأسماء إعلامية رفيعة من الممكن الإفادة منها في إيجاد آلية لترجمة حراك المجلس المشرق، وتقديمه للمجتمع بصورة احترافية ومهنية.
أيضا؛ المواطنون لا يشعرون بأن المجلس يتبنى قضاياهم، فبدلاً من البيروقراطية الصدئة، على المجلس المبادرة للوقوف مع المواطن في محنته، وبفورية لا تقبل التراخي، فمثلا فوضى الخطوط السعودية في الأسبوع الماضي، لو بادر المجلس باستنكار ذلك والمطالبة بمحاسبة د. خالد الملحم ومساءلته عن هذه الفوضى، انظروا إلى أثر ذلك في نفس المواطن، أو في أحداث سيول جدة والرياض، وكارثة الأسهم، وغيرها من الموضوعات التي تتماس مع المواطن وهمومه، ذلك أدعى لاقتناع المواطن بأن المجلس هو صوته الحقيقي، لا بما يدعيه بعض أعضاء المجلس زوراً ومباهاة.
آن الأوان للتفكير جدياً فيما طرحه د.فالح الفالح حيال ثنائية الانتخاب والتعيين، حيث يرى الجمع بين الأمرين، وذلك بإنشاء مجلسين: مجلس شورى، يختار له أصحاب الرأي والخبرة عن طريق التعيين، ومجلس نيابي تمثل به المناطق عن طريق الانتخاب الكلي أو الجزئي، وتعدل الصلاحيات بحيث تحدد الأمور التي لا بد من مرورها على المجلسين وضرورة الموافقة أو عدمها. بتقديري؛ إننا بهذه الطريقة، نتخلص أيضاً من الثلث الكسيح الذي لا يحلّ ولا يربط.
مهما احتج بعض أعضاء الشورى بأن توصياتهم يؤخذ بها في كثير من القضايا، إلا أن ثمة فرقاً كبيراً بين أن آتي لمناقشة موضوع، وأعرف أن توصيتي فيه إلزامية، وبين أن أناقش موضوعاً، أعلم أن التوصية فيه مجرد رأي، وأعرف أن كثيرا من توصيات المجلس يؤخذ بها؛ لذلك أقترح على الجهات العليا، البدء بمنح صفة الإلزامية لتوصيات المجلس، في بعض الموضوعات والتخصصات، فهذا يعطي دفعة نفسية كبيرة، وأيضاً شيئاً من القوة لاسم المجلس ومكانته على الصُعد العالمية.
يبقى أخيراً موضوع المرأة، وشخصياً؛ أرى بأنه آن الأوان أن تأخذ المرأة السعودية العالمة مكانها في المجلس، ومجتمعنا يزخر بنماذج وضيئة تتمتع بالتخصص العميق والفكر والأصالة والتدين، ومن الجور حجب هؤلاء الفضليات ذوات المكانة الرفيعة في تخصصاتهن أن يسهمن في مسيرة النهضة الكبيرة التي عليها بلادنا.