كنت أنتقي مفردات الوجع بحرص كبير وأنا أتحدث عن معاناة العائلات السورية الهاربة من جحيم الأسد، وأسهب في تلك التفاصيل المؤلمة عن حياتهم كلاجئين.. نقلت صرخات المغتصبات، وأنين الثكالى، وغصّات اليتامى، وانكسارات الجوعى والمشردين.. ليبادرني أحد المستمعين بسؤال أشغل بصره عن بصيرته: "صحيح أنهم يزوجون بـ 1000 ريال؟"
حين يتمكن الهوى من القلب، وتسيطر الشهوة على الفكر؛ ويفقد الجسد إنسانيته وتقوده غرائزه؛ تأتي مثل هذه المبادرات الممسوخة والمواقف الدنيئة، وبالطبع ستجد من الحجج ما يزينها.
ولأن مجتمعاتنا العربية تنضح بالمفوهين، متقني ليّ عنق النصوص؛ سيأتيك من يقول: "من خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا" و"من ستر على مسلم عورة ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة" و"الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله" وغيرها من الأحاديث النبوية الكريمة، ليفسرها وفق رغبته، ويجعل من إشباع شهوته عملاً نبيلاً في سبيل الله.
نعم، هناك من تدفعه لمثل هذا العمل المرؤة وحب الخير وستر المسلمات العفيفات، كقصة ذلك الشاب الذي اتصل على جمعية خيرية في الأردن ليعلن عن رغبته بالزواج من أي فتاه تعرضت للاغتصاب، وتقديمه لكل الضمانات التي تؤكد حسن نيته، كمبادرة إنسانية منه؛ إلا أن ذلك يحتمل أيضاً أصحاب القلوب المريضة، ممن يجدون فيه فرصة لإشباع نزواتهم، والتلاعب بمصائر الناس، خصوصاً مع الحاجة الماسة التي تعصف بمعظم اللاجئين. وربما المريح في هذا الأمر أن أولئك الانتهازيين مجرد مفردات نكرة لا تشكل رقماً يذكر أو ظاهرة واضحة؛ مقابل الملايين من المناصرين للشعب السوري، الداعمين له بمحبة خالصة وشعور نبيل.
وفي المحصلة، لا بد من وقفة حازمة أمام المتبرعين بفائض فحولتهم، وعطايا غرائزهم، حتى لا تختزل "المناصرة" بكل قيمها ومعانيها في "الزواج".