أوردت لنا الصحف وبعض القنوات الإعلامية قبل فترة وجيزة تعليق الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار أن المملكة العربية السعودية ستكون الأولى عربيا في مجال السياحة، وأنا أشارك سمو رئيس الهيئة هذا التفاؤل والأمل، لأن المملكة يتوفر لها من الموارد والمؤهلات ما يمكن معه أن تحقق هذا الأمل. فالموقع الجغرافي للمملكة يسهل الوصول إليها من كل أصقاع الأرض، وعمقها التاريخي باعتبارها أحد أهم وحدات العالم القديم وتراثها الديني يجعل منها قبلة للقلوب والعقول للتعرف إلى الآثار والمعالم التاريخية والأثرية طبعا إن أحسنا استغلالها والحفاظ عليها.

لكن وجود هذه الموارد والمؤهلات لا يكفي وحده لأن نحقق هذا المركز، إذ علينا أن نعترف أولا بنقاط ضعفنا ونضعها جنبا إلى جنب مع نقاط قوتنا لنصل إلى المعادلة الصحيحة الفاعلة للوصول إلى هذا الأمل؛ بأن نكون الأول عربيا في قطاع السياحة، أقول هذا الكلام وقد انتهى للتو أحد أهم مواسمنا الدينية التي تمثل قمة من قمم السياحة من حيث توجه الناس بقلوبهم وأفئدتهم آملة أن تجد حول بيوت الله في مكة والمدينة ما يليق برحلتها الروحية.

العمل على تأهيل جوار الحرمين وتوسعتهما دؤوب لا يتوقف، حتى لا يكاد يمر يوم واحد دون أن ترى تطويرا هنا وتأهيلا هناك، ولا ينكر هذا إلا من لا يرى سوى بعين السخط، ولكن المسألة ليست مسألة مبان وتجهيزات فقط، وإنما أيضا نظم علمية وأنظمة قانونية توائم بيئتنا بحيث يتم تطبيقها والالتزام بها بما لا يدع مجالا للتلاعب بما يشوه صور التقدم الذي نحرزه في مجال البناء والتأهيل.

أريد فقط أن أتوقف عند نقطة واحدة تبين أهمية تطبيق الأنظمة واحترامها ومدى تأثيرها على السياحة وعلى سمعة السياحة في المملكة، وأنقل هنا واقعة حقيقية وقفت على أحداثها ورأيت أوراقها بنفسي من صاحبها في مكة المكرمة خلال العشر الأواخر من شهر رمضان المنصرم. أراد صديقي أن يكسب رضا والدته وأن يهديها إقامة هانئة جوار البيت العتيق في مكة المكرمة فتمكن من حجز غرفة مطلة بشكل جزئي على الكعبة، وكانت قيمة الليلة الواحدة في الفندق 7500 ريال تقريبا، وعند مراجعة الفندق وجد أن تكلفة الغرفة المطلة بالكامل على الكعبة تقرب من ضعف هذا المبلغ لليلة الواحدة. لم تكن الخدمة سيئة ولكنها لم تكن دون خلل، ولهذا راجع صديقي إدارة الفندق في بعض أمرها وعندما احتدم الخلاف أبرز لهم صديقي الورقة التي تركتها هيئة السياحة والآثار في غرف الفندق، والتي تبين فيها الأسعار التي تقل بمراحل كبيرة عن السعر الذي تم حساب صديقي عليه. لم يكن من مدير الفندق إلا أن قال له "هذا هو السعر" وأرقام الهيئة معلنة وعليه أن يذهب إليهم أو يتصل بهم ويشتكي إن أراد، وعندما سأله صديقي: "هل يعني هذا أنكم لا تهتمون بالهيئة"؟ أجابه: "لا وماذا ستفعل الهيئة؟ أعلى ما في خيلك اركبه!"

أثارني عدم اهتمام مدير الفندق بدور الرقابة والمخالفات، واضطرني للبحث فوجدت أن الهيئة قد وضعت لائحة تصنيف الإيواء الفندقي وسياسات التسعير، قامت من خلالها الهيئة بتحديد مستويات الإيواء وآليات التسعير في الفنادق، كما وجدت بعض إيضاحات إعلامية من بعض المسؤولين في الهيئة في الصحافة والإعلام، بعضها له قيمته من حيث تبيين المدى المسموح للتجاوز وبعضها للأسف تحسب على الهيئة لا لها، تنفي من خلالها التجاوزات وتشير إلى محدوديتها رغم أنها أوضح من الشمس في كبد السماء. لا أريد الخوض في تفاصيل اللائحة ولكن أريد أن أرفع راية مهمة أتمنى أن تنتبه إليها الهيئة ومسؤولوها وغيرها من الهيئات والوزارات الخدمية التي يجب ألا يقتصر دورها على سن اللوائح واقتراح الأنظمة، بل لا بد أن يمتد إلى تفعيل الرقابة والتشدد في التنفيذ احتراما لحقوق المستهلكين ودعما للخدمات التي استوزرهم الله ثم الملك إياها، وهذه الراية المهمة هي راية "الرقابة والتنفيذ" فبدون تفعيل دور الرقابة ستبقى أنظمتنا حبرا على ورق، وستبقى نصا أدبيا جميلا لكنه لن يجد كثيرا ممن يطبقه وينفذه بل وستجد كثيرا ممن يجاهر بعصيانه لهذه الأنظمة لأن "من أمن العقوبة أساء الأدب"!

ولأهمية الرقابة والتنفيذ قامت بعض الدول بجعلها مادة الخصخصة الأولى في مشاريع الخصخصة التي تقوم بها بدلا من تخصيص الخدمات الحكومية التي يجب إيصالها للمواطن، فجعلت الخدمات في يد الدولة وجعلت الرقابة والغرامات في يد المواطن من خلال القطاع الخاص، مما حسن مستوى الخدمات وارتفع بها لأن تكون تلك الدول على قائمة الدول الأكثر رعاية لمواطنيها على مدى سنوات، وقد عشت هذه التجربة باستمتاع فترة إقامتي في كندا وأتمنى أن أراها لدينا قريبا.

تغريدة: الليل هو مرآتك التي ترى فيها نفسك الحقيقية! إن أردت أن تحكم على نفسك فانظر إليها في حالي الخلوة والسطوة!