في وسط سوق البدو الشعبي بجدة وداخل أحد الممرات يوجد ركن أقدم تاجر لبان في منطقة البلد، عرف بين سكان مدينة جدة وخارجها، وزوارها على مدى 25 عاما، ورغم تطور المدينة الساحلية عامة، والمنطقة التاريخية خاصة، فإنه لم يتطور، وظل محافظا على ركنه الشعبي البسيط، الذي يتكون من "فاترينة" عرض زجاجية بسيطة، ورفض الانتقال من ركنه المتواضع لمحل تجاري مناسب، معتبرا أن انتقاله بمثابة التخلي عن أصالته.
يقول علي فخر الدين إنه يعمل في هذا المجال منذ نعومة أظفاره، حيث تعلم هذه المهنة على أيدي أقاربه الذين يعملون في تجارة اللبان، وباعتبار أول من أدخل بيع اللبان لأسواق جدة القديمة، ظل معروفا لدى الكثير من الزبائن الذين يترددون عليه من جميع المدن والقرى المجاورة، وأرجع ذلك إلى جودة الأنواع التي يبيعها خلافا لتجار آخرين يعتمدون على بيع اللبان المغشوش.
وحول عملية استخراج اللبان قال فخر الدين "شهر أبريل من أفضل الشهور لاستخراج اللبان، حيث يعتبر موسما لحصاده، أما عملية استخراج اللبان بعمل جرح على جذع شجرة اللبان، باستخدام أداة معينة تدعى "المنقف"، وتكون هذه الجروح في أكثر من موقع على جذع الشجرة، ثم تلي ذلك 3 مراحل أساسية، الأولى كشط القشرة الخارجية لجذع الشجرة، حتى يظهر سائل لزج حليبي اللون، وسرعان ما يتجمد، فيترك لمدة 14 يوما، والمرحلة الثانية تتم عملية أخرى تسمى "التجريحة الثانية" ولكنها تنتج سائلا ليس بجودة المرة الأولى، والمرحلة الثالثة تسمى عملية التجميع، حيث ينضج السائل، وتتم عملية الحصاد غالبا في 3 أسابيع"، مشيرا إلى أهمية أن يتميز الذي يؤدي هذه المهمة بالخبرة ومعرفة المواقع الجيدة للتجريح.
وأضاف "لدي زبائن من كافة الطبقات، لكن تختلف اختياراتهم، فالأثرياء يفضلون اللبان العماني الأصلي، ويقدمون على شرائه في نهاية أبريل، لضمان قدومه من منبعه الأم دولة عمان، فيكون محتفظا بطعمه ورائحته وليونته، أما الطبقات الأخرى فيفضلون اللبان الصومالي لسعره المناسب" مشيرا إلى أن الفرق بين النوعين بسيط.
وعن أنواع اللبان وأماكن استيراده قال فخر الدين "أحصل على اللبان من تجار أفارقة يجلبونه من الصومال حيث تختلف أنواع اللبان حسب النوعية، فهناك الجيد والرديء، وأفضلها العماني والصومالي، وإن كان الأخير الأكثر طلبا، وتتراوح أسعاره من 20-30 ريالا للأوقية"، مضيفا أن لديه الخبرة في التفريق بين اللبان الأصلي والمغشوش، فالنوع الجيد يتميز بالليونة وسهولة المضغ، وكذلك نكهته ورائحته الخلابة، ولا يعرف ذلك سوى التاجر المتمرس في مهنة تجارة اللبان".
وأشار إلى أن "هناك نوعا آخر من اللبان يعرف بـ"المستكة السلطاني" كانت تستخدمه سيدات أهل البلد قديما في عملية تبخير كاسات الشاي، حيث تضيف رائحة ومذاقا عذبا أثناء شرب الشاي، وهذا النوع يبلغ سعر الكيلو منه 700 ريال، وأحصل عليه عن طريق تجار يونانيين أثناء موسم الحج والعمرة يبيعونه لتجار اللبان في أسواق منطقة البلد التاريخية"، مشيرا إلى وجود نوع آخر من المستكة يجلب من تركيا سعر الكيلو منه 25 ريالا.
وأكد فخر الدين أن "للبان فوائد عدة عرفت منذ آلاف السنين في مصر، وكذلك عرفه الإغريق والرومان ، واستخدموه في علاج بعض الأمراض كعلاج السعال المزمن، وعسر التنفس، وترطيب القصبة الهوائية، وتزكية مياه الشرب، كما يعتبر مادة مقوية للقلب، ومنبهة للذهن، ومفيدة في أورام الطحال، وآلام المفاصل، وهو أيضا طارد للعديد من الآفات المنزلية لاحتوائه على مادة "الفينول".
وأضاف أن "البعض يحضر بعض الخلطات من المستكة لعلاج أمراض البرد، والصداع بأنواعه، وإيقاف نزيف الأنف، وعلاج سوء الهضم، وأمراض الكبد والطحال، وهو مفيد عند طبخه في الزيت ووضع قطرات باردة منه في الأذن، وتستعمل المستكة كذلك لتقوية اللثة والأسنان".
وأشار فخر الدين إلى أن اللبان بكافة أنواعه يستخدم في البخور، وبعض السيدات يخلطونه مع أنواع معينة من الأعشاب التي تحضر من العطارين، وتبخر به السيدة بعد الولادة، ويعرف "بالبخور الجاوي" وله فوائد صحية تعود على السيدات، مضيفا أن اللبان حتى الآن يستخدم في تركيبات الأدوية المحلية.