في خِضم الطفرة الاقتصادية الحالية في دول الخليج عموما، ومع كثرة مشاريع البنية التحتية والبنية الاقتصادية؛ إلا أن الكثير يشكو أن أبناء الوطن من الطبقة المتوسطة والدنيا لم يستفيدوا كثيرا من هذه الطفرة. خصوصا في ظل ارتفاع مستويات التضخم بشكل مخيف؛ يشعر البعض بأن المستفيد الحقيقي هم الطبقة الثرية والأجانب فقط!
وفي ظل هذا الشعور؛ نرى العديد من الدعوات والعبارات التي تُطلق تجاه العمال والموظفين الأجانب، بشكل أشبه أن يكون عنصرياً، في الوقت الذي يقومون فيه بأعمالهم التي تخدم البلد في النهاية! ليس المقصود ذلك الأجنبي الذي يخترق القانون والأخلاق لأجل استغلال البلد وثروته، وإنما ذلك الطبيب أو المهندس أو حتى العامل البسيط الذي يعمل لنا ما عجز عنه أبناؤنا!
لا شك أن ابن البلد هو الأولى في التوظيف ويجب دعمه من قِبل المؤسسات الحكومية ولكن ليس بالشكل الذي قد يروج له بعض الجهلة والبسطاء! حيث إنه في بلدان مثل دول الخليج التي تتميز بقلة عدد السكان، يجب أن تستعين بغيرها لأجل بناء أوطانها وإلا فلا يمكن أن نحقق ما حققنا حيث لا توجد الخبرات والكفاءات الكافية لأجل الاستغناء عن كل الأجانب في البلد. ومن واجب الجهات المسؤولة أن تقوم بواجبها التنظيمي وتضع التشريعات اللازمة التي تكفل وتفرض تدريب المواطنين وتأهيلهم بالشكل الكافي، وليس بفرض كسل بعضهم على كاهل المستثمر المتوسط والصغير! كما يجب أن تحفظ حقوق كل من يعيش في البلد وتسعى للحفاظ على كرامتهم وإنسانيتهم. وعند التعبير بالتشريعات لأجل العلاج؛ فإن هذا يشير إلى عدم جدوى الحلول الارتجالية التي تتغير بين اليوم والليلة، وربما تطبق اليوم وتُنسى غدا! يجب أن تكون هناك تشريعات قانونية لتنظم كل هذه الأمور لتحفظ حقوق المواطنين وتدعمهم كسياسة وطنية، خصوصا في الشركات الكبيرة التي تملك تقنيات وتحتاج إلى خبرات عالية، لأجل توظيف المواطنين وتدريبهم وتأهيلهم التأهيل اللازم الذي قد يؤدي إلى تخفيف اعتماد البلد على الأجانب على الأقل. كما أنه من الواجب حفظ حقوق الأجانب ضد العنصرية والتمييز من خلال تشريعات أيضا -وهذا موضوع تمت الإشارة إليه عدة مرات، لضرورته المُلحّة من الأجانب والمواطنين على حدٍّ سواء-.
لننظر إلى أعظم دول العالم تقدما، وسآخذ أميركا وبريطانيا كمثالين؛ فمثلا جامعة أكسفورد ببريطانيا وهي من أرقى جامعات العالم، أستطيع أن أقول إن جزءا لا يقل عن 40% ربما من العاملين فيها هم إما أجانب أو مجنسون! وإذا نظرنا إلى وكالة ناسا الأميركية، فإنك تجد حتى فيها العديد من العلماء العرب! فالحقيقة أنهم يبحثون عن الكفاءات والخبرات لتوظيفها لمصلحتهم، بينما بعضنا الآن يسعى للعكس في ظل حاجتنا الماسة!
الشيء الذي أتمنى أن تطّلع به الجهات المسؤولة في البلد، هو مَن نستقدم؟ وكيف نوطّن الخبرة والكفاءات في البلد؟ هذا هو السؤال، ولا يعني هذا أننا ننظر للأجنبي وكأنه عدو لنا يجب التخلص منه، أو أنه أشبه باللص الذي لا حقوق له!
وفي هذا السياق، لا يكاد يغيب عن ذهني موقفانِ حصلا لي في مدينتين مختلفتين، حيث في طريقي ذات مرة من مدينة لندن إلى مطار هيثرو، ركبت مع سائق سيارة أجرة، وتوقعت أنه من بلد مشهور بإسلامه (غير عربي) وحبه للسعوديين خصوصا كونه البلد الذي يحتضن الحرمين الشريفين، إلا أنني استغربت كونه لا يرغب حتى في التحية أو الحديث! فبادرته بالحديث وفوجئت بأنه يعرف أنني سعودي! ثم بعدها تحدث معي باللغة العربية وباللهجة السعودية بطلاقة! وأخبرني أنه مولود في الرياض وأنه عاش فيها ثلاثين عاما ثم انتقل إلى إنجلترا وحصل على الجنسية خلال ستة أعوام فقط. ثم وللأسف أخذ يتحدث عما كان يتعرض له من إهانة في التعامل والاحتقار الذي كان يعامله به البعض! بينما هناك يقول إنه بعد ست سنوات فقط أصبح مواطنا بريطانيا وله كامل الحقوق كأي بريطاني آخر.
الموقف الثاني كان أسوأ؛ وكان في نيويورك مع سائق أجرة آخر، وكأن قدري مع ضحايا العنصرية التي ينتهجها البعض وللأسف، حيث ركبت مع سائق من نفس تلك الجنسية، وبمجرد أن عرف أنني سعودي أخبرني أنه عمل في السعودية 15 عاما تقريبا في أواخر التسعينيات الميلادية، ثم ذكر لي عدة قصص مأساوية في التعامل معه، ولم يتمالك الرجل أدمعه من شدة شعوره بالألم النفسي للإهانة والظلم!
عندما أعرض هذين الموقفين، لا يعني هذا تعميم تلك المواقف على أهل البلد، بل أعرف من يُقدم سائقه أو خادمته على نفسه وعياله في المأكل والمشرب، ولكن للأسف أن هناك من يُسيء التعامل معهم، وهناك أعراف متوارثة في احتقار الأجانب عند البعض، مع أنه ربما قد يكون أعلى تعليما وخُلقا، وفي الأخير (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، إلا أنه الجهل عندما يتملّك صاحبَه! أقول هذا ونحن نعيش أزمة حاليا في شح الخادمات المنزليات، حتى أصبح سعر الحصول على واحدة قريبا من سعر المهر الشرعي للزواج! ماذا لو خرج هؤلاء العمال والأجانب ذوو التأهيل العالي أو المنخفض؟ لا يمكن لي أن أتخيل وضعنا إلا وكأننا في مدينة أشباح!
ربما يدفع بعض الغيورين الحماس عندما يرى بعض الممارسات من أجانب فاسدين يعبثون في البلد، ولكن يجب علينا ألا نعمم تلك الصورة، كما أنني متأكد أن مثل أولئك ما كان لهم أن يفعلوا ما يفعلون إلا بوجود ثلة فاسدة من أبناء البلد أنفسهم! فالواجب أن تكون هناك موازنة بين دعم مشاريع السعودة المنظمة وبين الاستعانة المُلحة بالخبرات الأجنبية، بالإضافة إلى احترام إنسانية وكرامة كل من يعيش بيننا.