على السلة المكتبية لأحد موظفي مبيعات البنك، تكمن روزنامة تملأ ما بين إصبعين لصور أوراق طلبات اقتراض بنكي. وكل هذه الأوراق كما قال لي الموظف في فرع جانبي صغير، هي مجرد مجموع الطلبات لثلاثة أيام من بدء الأسبوع. والكارثة الكبرى أننا نتعامل مع ثقافة الاقتراض البنكي وكأننا نتعامل مع فواتير مطعم من النجوم الخمسة دون أن ندرك أن ورقة صغيرة من ثنايا ذلك ـ الدوسيه ـ الضخم على سلة موظف في فرع واحد من آلاف الفروع قد تجعل من حياة عائلة جحيماً وكابوساً يدفعون ضريبته لعقد كامل من الزمن.
الإفلاس المادي هو سبب الإفلاس العائلي، طلاقاً كان، أو حتى عجزاً عن توفير الأساسيات الجوهرية في الحياة العائلية اليومية، لأننا استنزفنا كل موارد الأسرة في كماليات ثانوية لمجرد بضعة أسابيع من الحصول على القرض. والثابت الذي لا جدال حوله أننا نختلف عن كل شعوب الأرض في تقييم أهداف القروض وحجمها دون الحاجة إليها وأكثر من هذا ـ هلامية ـ الانتفاع بها وكما يشير الإحصاء فإن 90% من هذه القروض لا علاقة لها بمشاريع اقتصادية تعود بعائد ربحي مستقبلي.
وكل ما أفرزته هذه القروض في حياة المجتمع أنها أفضت إلى حياة مجتمع وهمي تخيلي لا أحد فيه يعيش الواقع. جل السيارات الفارهة في الشوارع قروض بنكية. الأثاث الأرستقراطي في آلاف البيوت جاء من ورقة صغيرة ابتدأت بقرض. آلاف العوائل المسافرة إلى مصايف الأرض يطلبون الفسحة ولكن على حساب هذه الضريبة المكلفة. حفلات الزواج الكاذبة سرعان ما تنكشف عن كلمات ثلاث تنهي الزفة بعد كشف الخراب. وبعيداً عن سرد بقية المشاهد فإن الثابت أن كل ما تشاهده أو فلنقل سواده هو تزييف لواقعنا الاجتماعي الاقتصادي. نحن بهذه القروض نعيش وهماً حياتياً لا وجود له في أصل الواقع الذي نعيشه بالفعل. كل ما تشاهده أن هذه القروض ترفع بالتزوير والدجل حياة الآلاف من المقترضين إلى طبقة اجتماعية كاذبة ولا وجود لها بالأصل. يعيش الفرد منها وهماً حياة الطبقة الوسطى في المظهر ولكنه في الواقع غارق في تدبير أموره ببقايا من ألفي ريال في الشهر.