منذ يومين، كانت وزارة الداخلية تعلن عن إلقاء القبض على خلية إرهابية مرتبطة بالخارج، وفيها سعوديون، وكانت تستعد للقيام بعمليات إرهابية في الداخل السعودي.
هذا الانتصار يضاف إلى سلسلة النجاحات الأمنية التي تحققت سعوديا في مواجهة القاعدة.
إنما، هل كنا نتوقع أن على الإرهاب أن يتوقف، وأن على التشدد أن يتراجع؟
إذا كان ذلك على المستوى الميداني والعسكري فإن تراجعه سيكون واقعا وطبيعيا نتيجة الضربات القاصمة التي تلقتها كل الخلايا والقيادات الإرهابية التي ظهرت في السنوات الماضية, فمنذ عام 2003 بدأت تشتد القبضة الأمنية لتحاصر كل تلك الخلايا وتدحرها بعيدا، لكن الإرهاب ليس مجرد عداء عام ولا هو خصومة سياسية أو جغرافية، بل فكرية بالدرجة الأولى، وبالتالي فعلى مستوى الأفكار وبالنظر إلى الخطاب الفكري للإرهاب الذي عرفته المملكة لا يمكن الجزم بأنه سيتراجع فكريا، فالقضية بيننا لم تكن خلافا تمت تسويته ولا نقاشا انتهى بين طرفين، بل هو واقع مستمر يزداد تصاعدا، بل ويزداد مواجهة مع الناس ومع الحياة ومع الدولة.
بالعودة إلى كل الخطب والبيانات والأفكار التي كان الإرهابيون يعلنونها بوصفها مبررات للقيام بكل ما كانوا يقومون به، ومبررات لاتخاذهم هذا الموقف وهذا التوجه، سوف نجد في الواقع أن كل تلك العوامل هي في ازدياد مستمر، وكل ما كانوا يأخذونه على المجتمع وعلى الدولة أيضا في اتساع، مما يعني حتمية المواجهة واستمرارها على مستوى الأفكار والخلفيات.
كل ما كان يسوقه الإرهاب من مبررات لدينا الآن أضعافها، فعلى مستوى العلاقة مع الغرب ودخولنا في مختلف المنظمات الدولية نحن الآن أكثر حضورا في تلك الهيئات الدولية وأكثر قوة، وعلى مستوى ما كانوا يصفونه بنشر ثقافة الغرب على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، نحن الآن أضعاف ما كنا عليه في السابق، وعلى مستوى دفاعهم عن مشايخهم الذي يسمونه (بالتضييق على المصلحين والدعاة)، نحن الآن سياسيا واجتماعيا أصبحنا أكثر وضوحا في المواجهة مع كل من يرفع شعارات تسيء إلى أمن الوطن وإلى وحدته، وحتى على مستوى قضايا الحريات والحريات العامة نحن الآن أكثر توسعا في هذا الجانب مما سبق.
إذن، فالمواجهة لا تقتضي إقناع الإرهاب بأن ما كان يأخذه علينا قد فهمه خطأ أو أننا وصلنا إلى رؤية مشتركة لإقناعه أن ما نقوم به في كل شؤون حياتنا هو صواب ولا مخالفة فيه، لكن المواجهة تقتضي التأكيد على أننا نحن الصواب، ونحن السائرون درب البناء والمستقبل والحريات والخيارات، لأن هذا هو الأصل وهو الصواب، وما عليه الإرهاب هو الخطأ وهو الباطل.
"نحن الأصل ونحن الصواب"، هذا هو مبدأ المواجهة وليس الوصول إلى كلمة سواء مع التطرف، لسبب يسير جدا هو أن هذا غير ممكن، وما يحدث من تنازلات في خطاب التطرف أحيانا إنما هو نوع من الانحناء للعاصفة، وليس تغييرا كاملا في خطابه.
في مستوى العلاقة بين خطاب الدولة وخطاب التدين، يمكن القول بأن الحياة في السعودية لديها مستوى عال جدا من التصالح بين الخطابين، بل إن المهيمن الأبرز على حياتنا جميعا هو خطاب ديني أخذ يتخلص من كثير من بعض أشكال الحدة التي شهدها طوال السنوات الماضية، وهو ما يشير إلى المواجهة الحتمية والقادمة ستكون بين الناس وبين التشدد.
على أن التشدد يريد أن يصورها على أنها مواجهة مع النخب، نخب سياسية وإعلامية وفكرية يجتهد في ابتكار التوصيفات لها وتأطيرها ضمن مسميات يسهل عليه بعد ذلك أن يجعلها مادة للهجوم والمواجهة، فيصف النخب السياسية بالاستبداد والنخب الإعلامية والفكرية بالتغريب والعلمانية، لكنه يعجز ويتراجع دائما عن الاعتراف بأن مشكلته مع القبول الاجتماعي لخطابه، مما يعني مزيدا من الغربة، تلك الغرابة لن تسفر غالبا إلا عن مزيد من المواجهة، ولكنها بالنسبة إلينا ستسفر عن مزيد من القوة والإيمان بأننا على صواب لا نحتاج إلى تفسيره للتشدد ليقتنع به، بل نحتاج حاجة شديدة إلى الدفاع عنه والإيمان به، لأن ذلك جزء من الإيمان بالوطن والمستقبل.