لم تتمكن سراييفو، التي كانت تعرف بأنها مدينة التنوع العرقي المتناغم، من التعافي خلال السنوات الـ20 الماضية منذ بداية حرب البوسنة. حيث ظل التدمير الذي خلفته قوات زعيم صرب البوسنة رادوفان كارادزيتش وراءها، واضحا في التكوين العرقي للمدينة التي كانت متعددة الأعراق سابقا، والتي تشير تقديرات إلى أن معظم سكانها تقريبا أصبحوا من المسلمين.
فقد خرج الصرب من المدينة ويرجع ذلك جزئيا إلى الخوف من انتقام المسلمين وجزئيا للهرب من قذائف الهاون التي كان الصرب يطلقونها على المدينة.
الجنرال المتقاعد يوفان ديفياك وهو صربي ظل مواليا لسراييفو قال: "لم يعد المزيج العرقي موجودا في المدينة كما كان الوضع قبل الحرب".
ولا تزال معلمة الموسيقى ديليتش، تتذكر سراييفو التي كانت تنعم بالبهجة والراحة بعيدا عن الهموم إلا أن الحزن والملل أصبحا واضحين في المقهى الذي تلتقي فيه مع أصدقائها.
حيث تشعر هي وأصدقاؤها بالضيق بسبب المشكلات التي تواجهها سراييفو ومنها وجود سياسيين فاسدين وأسعار العقارات الباهظة وعدم اكتراث الاتحاد الأوروبي ببلدهم إضافة إلى شعورهم بالقلق من اتجاه الزعماء والقوميين للسيطرة على الأوضاع في المدينة، الأمر الذي يتنافى مع فكرة أن المسلمين والصرب والكروات لا يزال بإمكانهم تعلم التعايش معا.
الكاتب ميلينكو جيرجوفيتش أكد أن "الشر الأكبر في القرن الـ20 كان نتيجة انتشارالقومية".
ولا يشعر جيرجوفيتش، الذي ألف كتابا بعنوان "سراييفو مارلبورو" بعد الهروب من الحصار وحظي باستحسان كبير، بالتفاؤل بشأن المستقبل.
وقال "السلاف الجنوبيون يحملون الأحقاد ودائما ما يصفون حساباتهم.. سيتم تسديد ديون الأمس في غضون 50 عاما، مثلما تم تسديد الديون التي يعود تاريخها إلى 50 عاما خلال تسعينات القرن الماضي".
الكسندر هيمون الذي غادر سراييفو وهو صغير، وأصبح كاتبا في شيكاغو. استمع لدى عودته وتجوله في أنحاء المدينة لمدة 18 شهرا، إلى قصص جدته وهو يسعى جاهدا للتوفيق بين ذكرياته عن سراييفو والوضع الذي أصبحت عليه
الآن، يقول: "لقد كان الوطن متجانسا بشكل خيالي ولكنه مختلف بنفس القدر، إنه مدمر جزئيا".
وشارك فنانون ومفكرون عالميون في استعراض للتضامن مع المدينة أمس، وكان من بينهم فانيسا ريدجريف وسوزان سونتاج وبرنار هنري ليفي وخوان جويتيسولو.
وتساءلت الصحفية بجريدة "داني" المحلية فيدرانا سيكسان عما إذا كان الحصار و"المخاطر اليومية" قد ساعدا سكان سراييفو على أن يصبحوا أشخاصا أفضل؟ وقالت "على سبيل المثال، كان عازف التشيلو فيدران سمايلوفيتش يعزف على آلته أمام مكتبة سراييفو وهي تحترق، واختيرت أنيلا نوجيتش ملكة جمال لسراييفو تحت الحصار، وظهرت صور جميلات سراييفو وهن يحملن لافتات كتب عليها "لا تقتلونا" على شاشات التلفزيون في جميع أنحاء العالم".
وتم إحياء هذه الذكرى بحفل موسيقي بعنوان "خط سراييفو الأحمر" مع أغنيات ألفت خلال الحصار الذي فرض على المدينة واستمر ثلاثة أعوام ونصف العام في شارع "تيتو" الذي أصبح معروفا بعد الحرب باسم "زقاق القناصة"، نسبة إلى المسلحين الصرب الذين كانوا يروعون سكان سراييفو على مدى أربعة أعوام تقريبا.
وقام الموسيقيون بالعزف أمام 11541 مقعدا شاغرا تخليدا لذكرى الضحايا الذين سقطوا برصاص أو صواريخ القوات الصربية أو نتيجة للجوع أو المرض.
وشدا المغني البريطاني الشهير ستينج "لففت روحي في كتلة خرسانية.. لأصبح زهرة في سراييفو". وكانت النجمة إنجلينا جولي آخر المشاهير الذين أعربوا عن تضامنهم مع سراييفو حيث أخرجت فيلما عن حرب البوسنة.
وكان خلال الحرب قد توعد بأن عدد القتلى سيفوق عدد الناجين ، قائلا إن "سراييفو لن تحصي القتلى ولكنها ستحصي الأحياء" .
وفيما اجتمع المراسلون الذين أبلغوا العالم بالمأساة أيضا في سراييفو، قال المنظم وهو من صحيفة "لوموند" الفرنسية ريمي أوردان إن نحو 100 من الصحفيين المخضرمين توجهوا إلى العاصمة.
وتحيي سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك الذكرى السنوية الـ20 لاندلاع الحرب في الأسبوع الأول من أبريل عام 1992.