لا يمكن قراءة الكشف عن الخلية الجديدة للإرهاب إلا باعتبارها في سياق الموجة الثالثة من قراءة مد وجزر هذا الفكر الإرهابي. فمن قبل لقد تجاوزنا مع الإرهاب فترتين، الأولى كانت خلايا التأسيس لما قبل الحادي عشر من سبتمبر، أما الثانية فقد ابتدأت في الثاني عشر من مايو لعام 2003 باستهداف بعض المجمعات التجارية بالرياض.
وفي المرتين الأولى والثانية كنا نلاحظ مع موجات الإرهاب ظاهرتين، الأولى: إن أولى المكاشفات لفضح العمل الإرهابي كانت تتمثل في الرفض الاجتماعي الشامل وفي الهبة الوطنية التي جعلت من خلايا الإرهاب عدوا لكل سعودي، وهي ظاهرة رفض اجتماعي نادرا ما تقررها المجتمعات بمثل هذا الإجماع الشامل. الثانية: إن الأمن السعودي تعامل مع خلايا الإرهاب بتقنية عالية بالدرجة التي سقطت فيها القوائم الأمنية المطلوبة واحدة وراء الأخرى في ظرف زمني قصير.
وخذ بالمثل أن أميركا احتاجت إلى عقد كامل من الزمان كي تستطيع في النهاية أن تطيح برأس التنظيم المطلوب، بينما في الحالة الأمنية السعودية لم يستطع أي زعيم جديد للتنظيم أن يعيش هاربا إلا لبضعة أشهر، وفي ظرف ثلاث سنين فقط استطاع الأمن السعودي أن يطيح بسبعة من الزعماء المعلنين لذات التنظيم بالداخل. واليوم حين تعلن وزارة الداخلية عن الكشف عن خلية جديدة فإننا نقول إن في هذا ما يبرهن أن خلايا الإرهاب قد تستطيع أن تنام ولكنها تضع في الحسبان توقيت اليقظة. التوقيت الذي أتحدث عنه هو توقيت الظروف العربية الراهنة، وأنا لن أبدأ برفع أصابع الاتهام بلا دليل، ولكن المؤكد أن أنظمة الجمهوريات المتساقطة من حولنا وجماهيريات الأيديولوجيات المعادية لن تترك البيت السعودي وهي تراه واحدا من أكثر المجتمعات أمنا على الكرة الأرضية، بل إن دوائر الاقتصاد والاستثمار ومراكز أبحاثها العالمية ترى أن الداخل السعودي بات اليوم في قائمة المجتمعات العشرة الأولى من حيث الأمان والاطمئنان، وتدفق المال الاستثماري هو مؤشر جوهري أساسي في اتجاهات الأمن المجتمعي. والخلاصة أن الموجة الثالثة من الإرهاب ستكون موجة موجهة من الخلايا السياسية المتساقطة للأنظمة تحت ضغط الربيع العربي، وخلاصتهم أن المملكة قيادة وشعبا يعرفون في هذه الحالة مصادر هذا الفكر وآليات تمويله بسهولة أكثر مما كانت على الموجتين الأوليين.
والخلاصة الأخيرة أن الإرهاب كعلم وبنية يكون أكثر عرضة للكشف كلما تعاظم وازدادت ضده خبراتنا الأمنية التقنية، ومعه وعي شعبي جارف؛ وهو ما نمتلكه بالضبط في هذه المرحلة.