من الأهمية بمكان أن نذكر أن التعتيم الإعلامي الذي تمارسه أقنية وسائل الإعلام العالمية حول مجزرة ميانمار (بورما) هو دليل يؤكد مقولة "الإعلام الموجه" فيركز على مقتل قطة ويجعلنا نذرف الدموع عليها، ويتجاهل مأساة شعب بأسره وكأن شيئا لم يكن، فمعظم الفضائيات والصحف لا تتناقل هذه الانتهاكات، أو تذكرها فقط بشكل عرضي.

وما زاد من تعقيد المشهد أن معظم الصور التي يتداولها "الفيسبوكيون" و"التويتريون" مفبركة ومزورة ومُبالغ فيها وقد التقطت في أماكن أخرى في زمن آخر ليقفز إلى ذهنك مباشرة المثل الإنجليزي "حين تصمت النسور، تبدأ الببغاوات بالثرثرة".

نعم؛ ما يجري في "ميانمار" من جرائم بحق الإنسانية، وبالخصوص ما يتعرض له المسلمون من حرق وتدمير وتشريد يستحق الإدانة، فوفقا لمنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، ذكرت في تقاريرها عن الأوضاع البائسة في ولاية "راكين" وتفاقم ظاهرة التمييز العنصري التي تطال جميع فئات المجتمع وعلى الأخص فئة "الروهينجا" المسلمة، التي هي ليست الفئة المسلمة الوحيدة هناك، لكنها من فئة عديمي الجنسية "بدون" باعتبار أنهم من أصول بنغالية، وأن أجدادهم لم يعيشوا في بورما، وترفض السلطة الاعتراف بمواطنتهم، المفوض الدولي لحقوق الإنسان بعد زيارته لميانمار طالب بالإفراج عن جميع المعتقلين من المسلمين وغيرهم، وطالب بالتركيز على الاحتياجات العاجلة للمشردين، الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف، وهم يعانون ظروفاً صعبة ويتعرضون لمعاملة قاسية لا تحترم إنسانيتهم، حيث ذكر المفوض الدولي في بيانه الختامي عن أهمية تشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات الأخيرة والتدخل السريع لإيقاف الاضطهاد المنهجي ضد الأقلية المسلمة واتخاذ كافة التدابير الإصلاحية التي ترتكز على سيادة القانون والمواطنة المتكافئة والمساواة وتجنيس الفئة المسلمة "البدون".

وإذا كان من يقترف جرائم التطهير العرقي من الأغلبية البوذية ضد الروهينجا المسلمة، فإن هذا لا يعني أنها حرب دينية؛ فالديانة البوذية ترفض العنف تماماً، هذه الممارسات تنطلق في واقعها من أسس عرقية عنصرية تغذيها أفكار التطرف والتعصب.

إنني أتساءل: ما الداعي إلى المبالغة والتهويل في نقل صور فيسبوكية مفبركة لمجزرة "بورما"؟ هناك سببان؛ أولاً: ثمة جهات معينة تريد خلق أعداء افتراضيين (وهميين) لصرف الأنظار وتشتيت الجهود عما يجري من أزمات في الداخل الإسلامي.

ثانياً: وجود جهات متطرفة ومتشددة من المسلمين ترغب دوما في تصوير أي حادثة على أنها ضد المسلمين في أي بلد في العالم وكأنها حرب صليبية، أو عدوان على الإسلام.

والحق إذا أردنا نصرة الأقلية المسلمة في "ماينمار"؛ فإن ذلك يكون بطرح قضيتهم دولياً، وإبرازها على السطح بطريقة موضوعية، لا يُستخدم فيها التدليس والعبارات التي تدعو إلى الكراهية، وقبل ذلك علينا أن نراجع أنفسنا قبل أن نهاجم الآخرين، وخصوصا أن مجتمعاتنا مبتلاة وبشكل فاقع بالتمييز العنصري - العرقي والطائفي- وقبل أن نتحدث عن حرب على الإسلام، علينا أن نستحضر الصراعات والمجازر الدامية في عالمنا العربي من قبل المتطرفين من الإسلاميين الذين يقتلون مئات الآلاف من المسلمين الأبرياء، وهم يهتفون الله أكبر.

أخيراً أقول: إنه لنوع من خداع الذات وتخديرها أن نحاول الهروب من مشاكلنا والقفز على عيوبنا بإلقاء اللوم الدائم على الآخر.