عانى العالمَان العربي والإسلامي طويلاً من التشويه لصورته في الغرب، وذلك بفعل الصورة النمطية التي تشكلت لدى الإنسان الغربي نتيجة ما يبثه إعلامه المقروء والمسموع والمرئي، ونتيجة الكيفية التي يتم تصويره بها في هوليوود.. وجاءت أحداث سبتمبر بتداعياتها لتصب الزيت على النار وتفاقم المشكلة وتزيد الصورة تشويهاً. وبدأت المحاولات لا أقول لتحسين الصورة ولكن لبيان الواقع. وللحق كانت هناك محاولات من الطرفين للوصول إلى الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة ومعالجتها لأنه ترتب على تشويه الصورة الكثير من العداوات والأحقاد. سعدت كثيراً عندما نشرت جريدة "وول ستريت جورنال" في 27 من الشهر الماضي لهذا العام2012 تقريراً موضوعياً عن المملكة، وتحديداً عن التعليم وخاصة ما يتعلق بمشروع الملك عبدالله للابتعاث. وأرجو أن يكون هذا التوجه من الجريدة في هذا السياق كما أرجو أن تتبع الجريدة بقية الإعلام الغربي.. وتقرير "وول ستريت جورنال" تميز بالموضوعية غير المعهودة التي طالما عانينا من غيابها في صحف الغرب، وخصوصاً فيما يتعلق بالتعليم في المملكة الذي تم تشويهه بشكل كبير من قبل الإعلام الغربي ومراكز البحث الغربية.. ونتساءل هنا أهي بداية لنظرة موضوعية من الغرب وإعلامه وتحول للبحث عن الحقيقة بعيداً عن التحيز والضغوط؟

في تقرير الـ"وول ستريت جورنال" تحدثت كاتبة التقرير إلين كنكماير Ellen Knickmeyer عن مشروع الابتعاث وتحديداً في الولايات المتحدة الذي قفز فيها العدد من 1000 مبتعث عام 2004م إلى 66000 ألف مبتعث ومبتعثة يدرسون البكالوريوس والماجستير والدكتوراة الآن.. وهو أسرع رقم في الارتفاع متقدماً على رقم الصين.. ثم تحدث التقرير عن تجارب بعض مسؤولي الجامعات عن الطلاب السعوديين وما يتمتعون به من صفات جيدة.. ثم انتقل التقرير للحديث عن قصة مشروع الملك عبدالله للابتعاث ومبرراته حيث بدأه الملك عبدالله في بداية عهده ضمن جهوده في تسليح الأجيال للتعامل مع التحديات المنتظرة، وخصوصاً ما يتعلق بالزيادة السكانية والتعليم التقني والانكشاف على العالم المتقدم لتحويل البلاد إلى دولة حديثة. وذكر التقرير أن العدد الإجمالي في مشروع الملك عبدالله بلغ 130,000 مبتعث ومبتعثة يدرسون في الجامعات حول العالم بتكلفة تقدر بـ5 بلايين دولار منذ بداية البرنامج.. وبالرغم مما تعرض له البرنامج من تشويه ومعارضة من قبل بعض فئات المجتمع إلا أن هناك تصميما على التحديث. وفي السنوات القادمة ستواجه البلاد ضغوطا كبيرة للإصلاح السياسي والاقتصادي عندما تتلاشى ثروة النفط. ولهذا تحتاج البلاد إلى طبقة وسطى متعلمة في سبيل الوصول إلى قطاع خاص مثمر يستطيع تقديم وظائف لملايين الشباب السعودي. ويذكر التقرير أن برنامج الابتعاث يمكن المرأة السعودية من المساهمة بفاعلية في المجتمع، وهو تحد جديد للمجتمع بعد أن مارست المرأة في البرنامج هذه التجربة. ويذكر التقرير أن الطلاب السعوديين يعودون جميعهم إلى بلادهم بعد حصولهم على مؤهلاتهم بعكس الطلاب الأجانب من مختلف دول العالم الذين يفضلون البقاء بعد انتهاء فترة دراستهم. ويذكر التقرير أن برنامج الابتعاث إلى الولايات المتحدة تحديداً جاء بجهد من الملك عبدالله حينما طلب من الرئيس الأميركي جورج بوش الابن عندما التقاه عام 2005 في مزرعته في كروفورد أن يفتح نظام الفيزا للطلاب السعوديين بعد تحفظات أميركا عليه بعد أحداث سبتمبر، فوافق. ثم انتقل التقرير للحديث عن الأمية حيث ارتفع عدد المتعلمين من 5% في الخمسينات الميلادية إلى 79% اليوم وفقاً لإحصائية الـ(سي آي إي)، ثلثهم يحملون شهادة البكالوريوس. ويذكر التقرير أن الابتعاث في الماضي كان مقتصراً على طبقات محددة في المجتمع إلا أن برنامج الملك عبدالله وصل إلى كل شاب وشابة في طول البلاد وعرضها.

وفي النهاية تعرض التقرير لتاريخ العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة وتأثير أحداث سبتمبر عليها، ورأي فئات من هنا وهناك فيها. كما تحدث عن التعاون بين البلدين لتسهيل إجراءات الفيزا والسفر.

التقرير في مجمله إيجابي وهذا شيء جميل في الجانب الإعلامي الغربي الذي رأينا محاولاته السابقة للتعاون مع المنشقين والمعارضين واستكتابهم لتشويه صورتنا. ومثال ذلك ما قام به مركز الحرية في واشنطن عندما تعاون مع مركز شؤون الخليج ومديره في تحليل مقررات التعليم في السعودية والخروج بصورة مشوهة استعدت الإنسان الغربي على المملكة. ولم يكتف المركز بذلك بل نشر محتوى التقرير في جريدة الواشنطن بوست وقرئت عبارات صارخة من مقررات مناهجنا خارجة عن سياقها في الكونجرس. وقابل فريق البحث الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن لعرض نتائج الدراسة في محاولات للتصعيد والتحريض. وردت المملكة على هذا التقرير في حينه وتم الاجتماع بمسؤولي مركز حرية الأديان والرد على كل جزئيات التقرير، وطلب من المركز أن يعيد التحليل للمقررات التي تعرضت للتطوير، والتحسين الذي لم يتوقف أصلاً والمستمر كسياسة انتهجتها وزارة التربية والتعليم.

وفعلاً عاد المركز بعد سنتين لتحليل المقررات إلا أنه خرج بنتيجة أسوأ حينما قال: "إن المملكة حركت الأثاث ولم تنظف المنزل". وعرفنا أن هناك محاولات متعمدة للتشويه والأمر يتعدى أن يكون بحثاً موضوعياً ينشد الحقيقة. ولهذا فقد سعدنا عندما رأينا جريدة بحجم "الوول ستريت جورنال" تنشر تقريراً موضوعياَ عن بلد عربي ومسلم مثل المملكة، لأن في هذا التوجة تقريب لوجهات النظر وتحقيق لأهداف مختلف الأطراف المعتدلة التي تسعى جاهدة في تكريس القيم العالمية بين مختلف دول العالم، وخصوصاً التي تختلف معها في الدين والثقافة، لأن في تلك الجهود تقليص وحد مشكلات التطرف والإرهاب والكراهية التي أدت إلى وجود مناطق ملتهبة سفكت فيها دماء وانعدم فيه الأمن، وساد فيها الاستفزاز، ونتج عن ذلك حروب شنت راح ضحيتها مئات الآلاف. مثل هذا التقرير في الإعلام الغربي يجعل من هذا الإعلام عامل بناء يكشف سعيه للحقيقة التي بدورها تهديء النفوس وتقوي العلاقات وتضيع الفرصة على كل متطرف يسعى لتشويه الصورة وإلى بث الفتنة واستمرار الاقتتال.. وهذه أمور لا تخدم أحدا.

وخلاصة القول نقدر لجريدة الوول ستريت جورنال هذا التوجه الذي نأمل أن يستمر وأن تتبعه بقية وسائل الإعلام الغربية.. ونناشد أعضاء اللجان أو الوفود أن يقوموا بتوضيح الحقائق التي عرفوها عندما تقوم إحدى وسائل الإعلام بنشر معلومات مغلوطة، والرد على تلك الوسائل بما عرفوه من حقائق، ففي ذلك مصلحة لكل الأطراف. شكراً لـ"لوول ستريت جورنال" ولكل باحث عن الحقيقة وساع إلى بثها.