لم تكن منظمات حقوق الإنسان الدولية سوى "مانتشتات" لتحقيق واجهات حقوقية دولية للضغط على هذه الدولة أو تلك إن راق ذلك لها، على حساب حقوق الإنسان التي هي بلا إنسانية كما ذكرت في مقالي السابق.

ولأن حقوق الإنسان حق شرعه الله سبحانه وتعالى قبل إنشاء واجهات حقوقية ضمن مهام الأمم المتحدة مثل "اليونيفيم" UNIFEM و"سيدو" Sido ضد التمييز المجتمعي والديني وغير ذلك من المنظمات الحقوقية والتي لسنا ضدها، ولكن هذه المؤسسات تدار على الهوى الموافق لرغبات هذه المؤسسات حسب مصالح بلادها وسيادتها وتوجهاتها، ومن هنا تتحول إلى أقرب ما يوازي مفهوم سد الذرائع حسب المصلحة والمهمة التي تحقق هذه المآرب ليس إلا!

من منا لم ير أطفال ونساء العراق وهم يقتلون عمدا مع سبق الإصرار، ومن منا ينكر ما يعانيه أطفال غزة ونساؤها، ومن منا لا يسمع عن مسلمي بورما وقتلهم والتمثيل بجثثهم من قبل البوذيين – هذه الأيام - فيما يسمى بحرب التمييز العنصري؟ من أين جاءت مشكلة الأنفاق بين مصر وغزة.. شعب محاصر بدون منافذ ومحكوم عليه بالموت جوعا، جراء حصار لا يفقه كنهه هؤلاء الحقوقيون، حتى أصبحت مصر تغرق في أزمات منها الكهرباء والبنزين وغير ذلك، جراء دعمها لأهل غزة، فلماذا لا ينظر هؤلاء الحقوقيون في طعامهم وشرابهم وما يسد رمقهم من أجل البقاء أحياء؟ لم مصر بمفردها تتحمل هذا العبء جراء شعب يعاني أمام العالم كله من أجل اكتساب حقه في الحياة؟ بينما نرى أن الدنيا قامت ولم تقعد لموت الحمار الشهير المدعو بـ (سموك) حبيب الملايين وصاحب الموقع الشهير على "فيس بوك"!

فقد ورد في صحيفة الشرق الأوسط تحت عنوان: "نهاية الطريق للحمار الشهير" أنه: "حملت التقارير الصحفية الواردة من الولايات المتحدة أول من أمس نبأ موت أحد أشهر الحمير في أميركا.. فحسب وكالات الأنباء، ومنها وكالة الأنباء الألمانية نفق الحمار (سموك) حسب ما ورد في الصحيفة، وذكرت أن (سموك): "الذي أصاب شهرة واسعة بعد مشوار بدأ من العراق وانتهى في مزرعة ميركل هيلز بولاية نبراسكا الأميركية، إلى الشمال من أوماها، كبرى مدن الولاية الواقعة في السهول الزراعية الغنية بوسط البلاد. كانت له صفحة مخصصة له على موقع فيس بوك للتواصل الاجتماعي اجتذبت أصدقاء كثيرين من مختلف أنحاء العالم، وكان حسب الوكالات يعيش آخر أيامه حياة هانئة في المزرعة بجانب الخيول الصغيرة الموجودة فيها". وذكرت: "أن حكاية (سموك) مع الشهرة بدأت عندما شاهده جنود من مشاة البحرية الأميركية (المارينز) واعتنوا به عام 2008 في معسكرهم بمحافظة الأنبار بعدما لاحظوا عليه علامات سوء التغذية كما كان قد أصيب بجروح. ومن ثم، على الرغم من أن اللوائح المعمول بها تمنع العسكريين الأميركيين من الاحتفاظ بالحمار، قرر الكولونيل جون فولسوم، قائد المعسكر في ذلك الوقت، الاستعانة بطبيب نفسي عامل مع البحرية لتصنيف (سموك) كحيوان مساعد في العلاج على أساس أنه ساهم في تخفيف الشعور بالإجهاد عند العسكريين. ومن ثم تدرب (سموك) على دخول المكاتب وفتح الأدراج لإخراج التفاح والجزر وهدايا طعامية أخرى كان يتركها له العسكريون"، هذه هي حكاية مشوار (سموك) ورحلته من العراق إلى أميركا حين كان أطفال العراق وصباياها وعجائزها تستباح دورهم كل منتصف ليل أو نهار.. يقتلون ويقتل ذووهم أمامهم ثم يتضورون جوعا وينامون وقوفا - كالخيل - من الهلع والذعر، فأنى لنا بجزء من حقوقك يا (سموك)!

لقد أشفق فولسوم - الذي تقاعد في ما بعد – على الحمار (سموك) وعشق عروبته التي تندر لديه سماتها، أو ربما لأنه شعار الحزب الديموقراطي غير الرسمي. هناك! فسعى سعيا حثيثا حتى تمكن بعد سلسلة من الإجراءات البيروقراطية من إحضار (سموك) إلى ولاية نبراسكا العام الماضي حسب قول الصحيفة. فهنيئا لك أيها الـ(سموك) حين فزع العالم ووكالات الأنباء العالمية في مصابها الجلل "نفوق الحمار الشهير سموك".

ما هذا العبث؟! وكأننا أمام مسرحية عبثية.

لسنا ضد حقوق الرأفة بالحيوان، لأن ذلك متأصل فينا، فقد ذكرت في مقالي السابق جزءا من عاداتنا وتقاليدنا مع الحيوان في حكاية العوني والكبش الذي استجار به، ويحضرني الآن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "في كل ذي كبد رطبة أجر". فها هي العادات وها هي التقاليد وها هو الدين لدينا تُجمِع جميعا على الرأفة بالحيوان.

ولكننا الآن نشاهد نفاقا ولافتات تتاجر بالإنسان وبالإنسانية، فيُرفع الحمار إلى التراتب الدولي في الجاه والشهرة والرأفة وحسن المعاملة، ويُقتل الإنسان ويُسحل وتغتصب حقوقة فقط لأنه مسلم أو لأنه عربي.