ما إن يُعلن رسميا بدء أول ليلة في رمضان، وتقام صلاة التراويح، ويتبادل الناس التهاني بحلول الشهر الكريم، إلا وتلبس الإذاعات، خصوصا إذاعات موجة (إف إم) لباس التدين والرزانة والالتزام.

تبدأ برامجها كل يوم من أيام الشهر الكريم بآيات عطرة يتلوها صوت عذب، تجذبك إلى أن تجوب معه سماوات الخشوع والإيمان، فلا تملك إلا الإنصات، والتدبر، لخير الكلام.

ثم تستعرض عليك بعض النصائح الطبية النبيلة، أو بعض الأخبار العربية والعالمية البريئة.

بعدها أنت موعود مع صوت، في أغلب الأحوال، هادئ ومعتدل، ورقيق جدا. سوف يعظك بخفة ولباقة عالية، أو يقص عليك من قصص الأنبياء، مخصصا الكثير من الوقت لمآثرهم الأخلاقية والإنسانية الملهمة، والمؤثرة حتما. وطيلة أيام خير الشهور، تجد أن مشاعرك تجاه الإذاعات في رمضان، دون إرادة منك، متعاطفة معها، ومع إداراتها التي طالما كالت لها الشتائم واللعنات، على ما اقترفته بحق مزاجك طيلة 11 شهرا مضت! تكالبت عليك خلالها أقسى العذابات في أغاني الإسفاف التي تكاد تسيطر على أجواء هذه الإذاعات وأمزجة العاملين فيها. حيث ما إن يعلن رسميا نهاية هذا الشهر، وبعد 30 يوما تقريبا من الرزانة والتعقل، والسمت، حتى تنفجر هذه الإذاعات انفجارا رهيبا بالأغنيات التي تهطل على رؤوس كل الباحثين عن الغناء الحقيقي كالمصائب التي لا مناص منها.

إنها حالة فصام حادة تنتاب الإذاعات بشكل سنوي، وعلى نحو واضح، يتجسد في تحولها بين ليلتين، ليلة دخول شهر رمضان، وليلة إعلان رحيله، وحلول أول أيام العيد.

إنها حالة لا يبدو أن الإذاعات ستشفى منها ما دامت من نوع ما "يطلبه المستمعون"، لأنها مضطرة باتخاذ هذا النهج، للخروج على الناس بشخصيات متعددة، وأحيانا متضادة، تماما كما هو حال السواد الأعظم من "المستمعين".