في اليوم الوطني، كان المذيع يتجول بمايكروفونه بين الأطفال في أحد الأماكن العامة. يطرح بضعة أسئلة بسيطة مقابل جوائز قيمة:
•ما هي أكثر مدينة تحبها؟ يجيب الفتى الأول: القاهرة.
•يتحول المايكروفون إلى الفتى الثاني: وأنت ما هي أكثر مدينة تحبها ؟ يجيب الفتى الثاني : الكويت.
•يذهب إلى فتى ثالث : إيش جنسيتك ؟ يجيب الفتى : سعودي . يضيف المذيع سؤالا آخر : ما هي المدينة التي تحب زيارتها ؟ يجيب الفتى : الشام .
•يتفاجأ المذيع الذي خالفت الأجوبة توقعاته في البرنامج الذي يعده خصيصا لليوم الوطني، حتى أدرك تماما أن عليه أن يقود هؤلاء الفتية إلى المناطق التي يريدها، وأن يسألهم أسئلة مباشرة: ماذا تريد أن تقول عن صبيا أو القيصومة أو خميس مشيط؟ يجيب الفتى الأول: ما سمعت عنهم! في أي مسلسل طلعوا ؟
الدراما أصبحت أداة وثقافة في الوقت ذاته، فهي ناقلة للتفاعلات الحاصلة في المجتمع، سواء كان شأنا محليا، أو ثقافيا أو سياسيا او اقتصاديا، لذلك لا يجوز النظر إليها على أنها رفاهية زائدة عن الحاجة الوطنية. بإمكان هيئة السياحة مثلا من خلال مسلسل تلفزيوني سعودي الانتقال من مدينة إلى قرية إلى هجرة ورصد قصة في قالبها التفاعلي الجغرافي سواء كان دينيا، أو تراثيا أو أثريا، لتكون الدراما كيمياء تفاعلت مع الترفيه والمتعة، ومع نقل الإنسان إلى مكان آخر من خلال الشاشة في إطاره الخاص بحيز جغرافي ما، نستعرض من خلال ذلك كل الأماكن السياحية التي تريد الآلاف من الإعلانات أن تشرحها ولكن الدراما تختصرها بالتأثير. غير أننا ما زلنا ننظر إلى الدراما وكأنها زائدة دودية، دون نظرة إستراتيجية لأهميتها في تأسيس علاقة الإنسان بالمكان. لذلك قد نجد على شاشتنا أسماء شوارع الآخرين، أماكنهم، مقاهيهم وحدائقهم وشواطئهم، ولكننا لا نجد أنفسنا على الشاشة، كمن ينظر إلى المرآة ليرى وجها ليس وجهه. وبما أن جهاز التلفزيون أصبح فردا من أفراد العائلة السعودية، فإن المحتوى يجب أن يكون حكواتيا، قصصيا، يعكس ما نعيشه، لنكشف الأماكن الجميلة في يومياتنا، فيأتي آخرون فضوليون لمعايشة التجربة التي عاشها أفراد يحبهم على الشاشة. فالجيل الجديد الذي يدرك جيدا أسماء شوارع ومقاهي وأماكن في القاهرة ودمشق من خلال الدراما المصرية والسورية، وفي الوقت ذاته لا يعلم شيئا عن القيصومة أو صبيا التي تقع على مقربة منه ببضعة مئات من الكليومترات.
ماذا عن ثقافة العيب في بعض المهن التي يعزف عنها الشباب السعودي؟ وزارة العمل ووزارة الثقافة والإعلام من خلال مسلسل ذكي توصلان رسالة مباشرة تجعل الفتيات لا يمانعن من قبول الزواج من حلاق سعودي، أو خياط، أو كهربائي أو ميكانيكي. في الدراما، كل شيء قابل للمعالجة التلفزيونية، وتأثيره حقيقي إلى درجة أن مشهدا واحدا على الشاشة قد يثير بكاء المشاهدين.
الاستثمار في الدراما يعني تربية الإنسان بصريا، لأن المشاهدة التلفزيونية أصبحت حتمية وليست رفاهية، صارت أمرا لا مفر منه، ولا يمكن الهروب منها من خلال التعامل معها بشكل غير جدي.
إن الدراما تحتاج إلى قرار واضح ومباشر وصريح لتتحول إلى صناعة بكل ما لها من أنظمة ولوائح وقوانين تشرح الشروط والضوابط التي يحتاجها إنتاج أي عمل سعودي.
وقد بدأت جمعية المنتجين والموزعين السعوديين بتأسيس خطوات هامة في هذا الاتجاه، ولكنها تحتاج إلى عناية واهتمام معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة لتتحول هذه الاقتراحات إلى أنظمة ولوائح تخدم الإنتاج السعودي وتستفيد منها الشركات والمؤسسات.