• أقرأ هذه الأيام (ذكريات علي الطنطاوي) وهو من عرفه الناس شيخاً جليلاً وعالماً موسوعياً وكاتباً نحريراً ومتحدثاً بليغاً يخلب الألباب، رحمه الله وأحسن إليه.

كتب أثناء عدوان (إسرائيل) الباغية على (لبنان) ما نشرته صحيفة (المسلمون) المحتجبة ما نصه:

(ما نيرون؟ ما جنكيز؟ ما هولاكو؟ ما يأجوج ومأجوج؟ ما وحوش الغاب وعقاربه وحيّاته وحشراته؟ ما الخنازير البرية؟ كل أولئك إن قيسوا بهذين القذرين (بيغن وشارون) صاروا من أهل الطهارة والخير، لأنك وضعتهم مع من هو أنجس وألعن.. كلا ما رأى تاريخ البشر قاتلين مجرمين كهذين الكلبين المسعورين!).

وختم الشيخ مقالته بهذا الدعاء (قطع الله عليهما الطريق إلى كل خير، وسد دونهما الباب إلى كل سعادة، وجعل ما فعلاه في (لبنان) مرضاً موجعاً مشوّهاً في جسديهما، وقلقاً قاتلاً ورعباً دائماً في نفسيهما، وانزعاجا مستمراً لا يذوقان استقرارا، لا يُعرف له سبب ظاهر، ولا يُلقى له دواء شاف، يُنغّص عليهما العيش حتى لا يطيقانه ويُحبب إليهما الموت فلا يجدانه) وقد استجاب الله دعاء الشيخ في حياته أن غدا (بيغن) كالسامريّ معتزلاً في داره، نافراً من البشر وسيأتي دور (شارون) بإذن الله (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) فيا من كفلتم أمن (إسرائيل) هل تكفلونه لها في ذلك اليوم، أم هل تضمنون لأنفسكم)؟. انتهى الاقتباس من مقالة الشيخ.. والمذهل أن الله تعالى حقق دعوته بعد وفاته بـ(شارون) الذي عجّل الله له العقوبة في الدنيا منذ سنوات عدة مرضاً ميئوساً من شفائه وظل حتى هذه اللحظة جسداً هامداً ضاق به أهله ومعالجوه لا حياً فُيرجى ولا ميتاً فُينسى.. ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.

نسأل الله العفو والعافية.. وإن في ذلك لعبرة وتبصرة وذكرى (لكل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) وإنها لنذارة لكل متكبر جبار ظلوم غشوم.. وعند الله تجتمع الخصوم.

• مما وردني مؤخراً الجزءان الثامن والتاسع عشر من (وسم على أديم الزمن ـ لمحات من الذكريات) لمؤلفها الأديب الكبير (عبدالعزيز الخويطر) الذي أغبطه ولا أحسده على بركة الوقت لديه التي مكّنته رغم مسؤولياته المتعددة، ومناصبه الرفيعة من تسجيل ذكرياته منذ مراحل الصبا وحتى اللحظة وكانت ومازالت ثريّةً بالأحداث والأشخاص والأماكن إنْ داخل البلاد أو خارجها حيث كان يدرس أو يُكلف بمهمات رسمية.

إن القارئ لهذه السلسلة كأنما يشاهد لقطات (سينمائية) ثرية بالمتعة والفائدة.. وقد تعرفت من خلالها على بيئات متنوعة وشخوص كان لها بصمتها في حياتنا المعاصرة.. وتابعت رسماً بيانيا للتطور الذي حصل في بلادنا الغالية منذ نصف قرن من الزمان وكان الشاهد عليه هذا الرائد الذي لا يكذب أهله.. ندعو له بالتوفيق وطول العمر والتواصل مع مجتمعه بهذا العطاء.