ساهم الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مع نظيرتهم الأميركية في الرياض أمس في توحيد وجهات النظر حول أهمية تسليح المعارضة السورية من جهة.. وضمان أمن منطقة الخليج العربي من التهديدات الإيرانية من جهة أخرى وذلك باعتماد خطوات تكاملية لإدخال الدرع الصاروخية بين الجانبين في إطار تكاملي.
وأكد وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل أنه لا خلاف بين بلاده وواشنطن حول تسليح المعارضة السورية وأن الجانبين متفقان على أهمية ذلك من خلال حشد المجتمع الدولي في "مؤتمر أصدقاء سورية" في إسطنبول اليوم، وبين في رده على سؤال لـ"الوطن" حول وجود خلافات خليجية أميركية في التعامل مع الملف السوري، أن البند المتعلق بتقديم مساعدات "غير فتاكة" للمعارضة يشتمل على المساعدة العسكرية.
مأساة.. وإصرار سوري
وقال الفيصل خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون في ختام الاجتماع الوزاري الأول لمنتدى التعاون الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة في الرياض، في رده على التخوفات الأميركية من وصول الأسلحة لتنظيم القاعدة "أعتقد إذا كنا نؤمن بالدعاية السورية فهم يقولون لا توجد حرب في سورية وهناك فقط إرهابيون دون ذكر تحركات الدبابات.. إن ما يحصل في سورية مأساة لها عواقب وخيمة بسبب إصرار الحكومة السورية على السيطرة على المظاهرات واحتواء الموقف عسكريا".
وطالب الفيصل العالم بالبدء في مساعدة السوريين لمساعدة أنفسهم، وقال "نحن لم ندفعهم للقتال لكنهم يسعون للحرية والكرامة، والقتل من قبل الحكومة السورية مستمر هل سنسمح بذلك أم نعطي الشعب السوري حق الدفاع عن أنفسهم، الناس بحاجة إلى مساعدة، نعم نحن ندعم تسليح المعارضة السورية"، واصفا ما يحصل في سورية بأنه "مجزرة إنسانية شنيعة للشعب السوري"، محذرا من تداعياتها على أمن واستقرار المنطقة.
ووصف الأمير سعود الفيصل الاجتماع الوزاري الأول للمنتدى بالإيجابي والبناء، وقال: إنه جرى في إطار العلاقات الوثيقة بين الجانبين القائمة على الاحترام المتبادل وتكريس المصالح المشتركة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، وعلى المستويات الرسمية وغير الرسمية كافة".
وقال في البيان الافتتاحي للمؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده أمس بمقر وزارة الخارجية في الرياض مع وزيرة الخارجية الأميركية "شكلت الأزمات والتحديات التي تمر بها المنطقة محور المباحثات، وفي نظرنا أن الأوضاع الأمنية الهشة أحد أهم مسبباتها استمرار القضية الفلسطينية دون حل، واستمرار سياسة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وقد بحثنا في الاجتماع العديد من موضوعات الساعة وعلى رأسها المجزرة الإنسانية الشنيعة للشعب السوري، علاوة على بحث مستجدات الأوضاع في اليمن، وكذلك استعراض مجمل التطورات والأوضاع السياسية في منطقة الخليج والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتداعياتها على أمن واستقرار المنطقة والعالم".
درع صاروخية
من جانبها أكدت وزير الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن التزام واشنطن بأمن دول الخليج العربي هو كالصخرة، كاشفة عن تعاون بين بلادها ودول الخليج في إنشاء منظومة درع صاروخية أميركية خليجية لمواجهة التهديدات البالستية وأن الأميرال فكوس قائد الأسطول الخامس الأميركي قدم عرضا حول التحديات والتهديدات الأمنية وكيفية استخدام المنظومة البالستية.
وأوضحت أن هدف هذه المنظومة هو الدفاع عن أمن الخليج من خلال مزيد من التعاون العسكري على المستوى الثنائي والجماعي على المستوى الراداري الذي يمكن المنظومة من تتبع تحركات الصواريخ بشكل أوسع.
وأشارت وزيرة الخارجية الأميركية إلى أن الاجتماعات ستستمر على مستوى الخبراء العسكريين لتحديد طريقة عمل المنظومة التي تتواجد بعض عناصرها حاليا في دول مجلس التعاون لكنها تحتاج إلى "التكامل العملياتي".
وثمنت هيلاري كلينتون جهد دول مجلس التعاون في معالجة الأزمة اليمنية والتي نجحت جهودها في تحقيق انتقال سلمي للسلطة، مؤكدة التزام واشنطن بمساعدة الشعب اليمني.. وعلق الأمير سعود الفيصل أن مشاركة 75% من الشعب اليمني في الانتخابات يبين مدى دعمهم للرئيس الجديد.
ضمان استقرار "الطاقة"
فيما أشارت كلينتون أن مهمة المبعوث المشترك كوفي عنان أصبحت محددة بمهلة زمنية، مبينة أن منتدى التعاون الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون وأميركا قد تناول عددا من القضايا الهامة على أمن واستقرار المنطقة والعالم بما في ذلك ضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية، والتوسع على صعيد التعاون متعدد الأطراف في ملفات مكافحة الإرهاب ومنع الانتشار النووي وتعاون الجيشين الأميركي والخليجي على المستوى العملياتي والبحري والصاروخي البالستي وسرعة الاستجابة في الأزمات.
تمادٍ إيراني
وحول إيران أكدت كلينتون أن "هذه الدولة ما زالت تتمادى في تهديداتها لأمن المنطقة، وتدعم حملة القتل التي يمارسها نظام الأسد، والتدخل في اليمن وتهديد الملاحة، والتورط في محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، وعددا من العمليات الإرهابية حول العالم"، مؤكدة أن الباب المفتوح حاليا لزعماء طهران للتعاون حول برنامجهم النووي ومعالجة هذه المشكلة من خلال التعاون مع إسطنبول أو من خلال مجموعة خمسة + واحد، وقالت "هذا الباب للحوار مع طهران لن يبقى مفتوحا للأبد".
وبينت أن سياسة بلادها حول طهران في المرحلة الحالية تتلخص "في الوقاية وليس الاحتواء.. أي منعها من الحصول على سلاح نووي"، مؤكدة أن بلادها تحمل تصورا واضحا حول نوايا إيران، مشددة على أن مصلحة إيران في أخذ الفرصة المتاحة حاليا أمامها. وكشفت كلينتون عن لقاءاتها مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وقالت "تشرفت بمقابلة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان صوته مرتفعا في مناصرته للشعب السوري وضد ما يمارسه النظام السوري ضد شعبه الأعزل"، مبينة أن هناك 4 نقاط تتبناها واشنطن تمت مناقشتها مع دول التعاون تتلخص في "تكثيف العقوبات ضد دمشق من خلال تدعيم دولي لعقوبات، وتعزيز وحدة المعارضة السورية لتمثل بديلا للأسد تستطيع المشاركة في الخارج بشكل كلي، ودعم ومؤازرة الشعب السوري لإخضاع النظام للمساءلة لتحديد من قام وشارك في العنف،" معتبرة أن اجتماع إسطنبول "سيعطينا فرصة التفكير بكل خياراتنا لتوفير الدعم غير الفتاك للمعارضة من خلال التنسيق مع شركائنا في إسطنبول". وقبيل انعقاد الاجتماع الوزاري الأول لمنتدى التعاون الاستراتيجي الخليجي الأميركي، عقد وزراء خارجية 4 دول، هي الولايات المتحدة، السعودية، قطر والإمارات اجتماعا مصغرا قبل أن ينتقلوا إلى القاعة الرئيسية التي شهدت الاجتماعات.
نتائج موفقة
وفي ختام الاجتماعات، وصف وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد آل خليفة نتائج الاجتماع الأول بين دول مجلس التعاون وأميركا بـ"الموفقة"، غير أنه أشار إلى وجود عمل كبير لبحث آلية انعقاد تلك الاجتماعات بشكل دوري وستتم على مستوى كبار المسؤولين، مبينا أنه سيتم وضع هذه الآلية قبل الصيف. وأشار إلى أن اجتماعهم مع نظيرتهم الأميركية، تطرق إلى العديد من الملفات، تصدرتها الأزمة السورية، والتهديدات الإيرانية، والإرهاب. وفي موضوع الدرع الصاروخية، أشار الشيخ خالد آل خليفة إلى أنه لا يزال أمام دول مجلس التعاون والولايات المتحدة عمل كبير في هذا الموضوع، وأن اجتماعات الأمس تطرقت إليه بشكل عام. وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت الدرع الصاروخية موجهة بشكل مباشر نحو إيران، قال "هذه الدرع لمواجهة أي خطر يهدد دول مجلس التعاون.. الدرع لا تهاجم أحدا.. ولكنها موجهة لأي جهة تستهدف هذه المنطقة".
اجتماعات استراتيجية
وكان وزراء خارجية مجلس التعاون لدول الخليج العربية ووزيرة الخارجية الأميركية قد عقدوا اجتماعا في الرياض أمس لإطلاق منتدى التعاون الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، يهدف لوضع إطار رسمي للتعاون الاستراتيجي في القضايا السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية بينهما ويتضمن عقد اجتماعات وزارية منتظمة بالاضافة إلى اجتماعات بين كبار المسؤولين والخبراء من الجانبين في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك.
ويسعى الجانبان من خلال المنتدى إلى مناقشة القضايا الاستراتيجية الرئيسية، وتحقيق المصالح المشتركة، وتنسيق الجهود لدعم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتعزيز العلاقات بين مجلس التعاون والولايات المتحدة في جميع المجالات.
تحديات إقليمية
وناقش الوزراء التحديات الإقليمية التي تواجه منطقة الخليج، وتم الاتفاق على أهمية تعزيز التعاون الاستراتيجي والأمني بين مجلس التعاون والولايات المتحدة، وذلك بهدف تعزيز ورفد العلاقات الثنائية القائمة بين دول المجلس والولايات المتحدة، وتعزيز السلام والأمن والاستقرار والازدهار بالمنطقة، ومواجهة التهديدات والتحديات الحالية والمستقبلية، ومن بينها انتشار الأسلحة النووية، وتقنية الصواريخ البالستية، والإرهاب، والتهديدات التي تواجه الملاحة في الخليج.
وأكد الوزراء أهمية احترام مبادئ السيادة والاستقلال والتسوية السلمية للنزاعات.
تعاون خليجي أميركي
ورحب الوزراء بالتقدم المحرز نحو إبرام اتفاقية إطارية للتعاون بين مجلس التعاون والولايات المتحدة في مجالات التجارة والاقتصاد والاستثمار والتعاون الفني، التي تهدف إلى تعزيز العلاقات بين الجانبين في هذه المجالات، ويتطلع الجانبان إلى توقيعها خلال النصف الأول من عام 2012.
ونوهوا بنجاح ورشة عمل منع انتشار الأسلحة التي عقدت في دبي خلال الفترة من 12 إلى 14 مارس 2012، بمشاركة الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون، التي وضعت أسس التعاون المستقبلي في مجال مكافحة انتشار الأسلحة.
كما ناقش الوزراء سبل تعزيز التعاون في عدد من المجالات الرئيسية منها التعاون العسكري بين مجلس التعاون والولايات المتحدة، والأمن البحري، وحماية البنية الأساسية الإستراتيجية، ومكافحة القرصنة والإرهاب وأسلحة الدمار الشامل.
ووجه الوزراء كبار المسؤولين بتشكيل مجموعات عمل قبل 1 مايو 2012 تشمل دول المجلس والولايات المتحدة وتُعنى بالقضايا الاستراتيجية والأمنية الأساسية، وتتكون من مسؤولين وخبراء من الجانبين، على أن يجتمع كبار المسؤولين بحلول 15 يوليو لاستعراض التقدم المحرز، وإعداد تقرير بالتوصيات النهائية لمجموعات العمل، واقتراح الخطوات المستقبلية، وعرض ذلك على الاجتماع الوزاري القادم لمنتدى التعاون الاستراتيجي بين مجلس التعاون والولايات المتحدة الأميركية، والمقرر عقده في سبتمبر 2012.
وأكد الوزراء أن سورية تبقى مفتاحا لاستقرار ورفاهية الشرق الأوسط، واستنكروا القتل والعنف الذي يرتكبه النظام السوري، وأكدوا الحاجة إلى وقفه فورا، وطالبوا بوضع حد لجميع أعمال العنف في سورية، مؤكدين كذلك على أن تسمح سورية للمنظمات الدولية بأن ترسل معونات إنسانية للشعب السوري.
وجدد الوزراء دعمهم لمهمة المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي عنان.
ونظرا إلى أهمية عامل الوقت في مهمة المبعوث المشترك، حث الوزراء المبعوث المشترك على وضع حد زمني لتحديد الخطوات المقبلة في حالة استمرار القتل. وشددوا كذلك على ضرورة التزام سورية بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 11207 الصادر في 16 فبراير 2012، وقرارات جامعة الدول العربية الصادرة في 22 يناير 2012 و12 فبراير 2012، بما يسمح بانتقال سلمي للسلطة من أجل تحقيق إرادة وتطلعات الشعب السوري، كما ناشدوا جميع الدول التي لها علاقة مباشرة مع النظام السوري لدعم جهود المجتمع الدولي لحل الأزمة السورية. ويتطلع الوزراء إلى اجتماع أصدقاء الشعب السوري المقرر عقده اليوم في إسطنبول والذي سوف يركز على تنسيق جهود المجتمع الدولي لدعم الشعب السوري.