يمكن القول إن الصفحة (30) من كتاب "المدينة المنورة .. في أعين رحالة غربيين" ترجمت ما يريد مؤلفه "عدنان عبد البديع اليافي"، إيصاله للقاريء المحلي والمهتمين بتدوين الرّحالة من المسلمين وغيرهم.
فتحت بند دوافع الرّحالة الغربيين للقدوم إلى الجزيرة العربية، لخصّ اليافي الأسباب مابين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية وربما الاستعمارية، إلى جانب بعض الأهداف العلمية أو الاستكشافية للمستشرقين.
كتاب اليافي يحتوي على عدة دراسات ومقالات عن أبرز الرحالة الغربيين الذين زاروا المدينة المنورة، في محاولة لرصد مسار الرحلات إلى المدينة المنورة، واستحضار ما دونه الرحالة عنها في عصور سابقة ، خاصة أن لبعضهم عيونا تختلف عن عيون الرحالة المسلمين.
فيما اعتبرها جملة من المثقفين في عدد من المواقع المهتمة بتدوين الرحالة خاصة الغربيين،بأنه محاولة لرصد حركية التاريخ الاستشراقي و تسجيل وتوثيق لتاريخ طويل من دراسات ورحلات تم رصدها ودراستها.
ففي عام 1807 زار الإسباني "دومنجو باديا لابلج" الأراضي المقدسة وكتب تقريراً مفصلاً عن أحوالها، متنكراً بزي عربي، تحت اسم علي بك، وتشير مصادر الكتاب التاريخية إلى أنه كان يعمل لصالح الفرنسي نابليون بونا برت.
وأرسل القيصر الروسي الرحالة "هلترش جاسبر سيتزن" الذي زار الجزيرة العربية ودخل مكة المكرمة، وحصل على لقب حاج، وذهب بعد ذلك إلى اليمن حيث قتل هناك في أواخر العام 1811.
ووفقاً للمؤلف فإن أول الرحالين هو الإيطالي "لودفيكو دي فارتيما" الذي قدم للجزيرة العربية عام 1503، وزار المدينة المنورة ومكة المكرمة، ليصدر بعدها كتابه "رحلات فارتيما" تحدث فيه عن المدينتين المقدستين، والمسجدين الشريفين.
أما ثاني غربي عرف أنه جاء لزيارة مكة والمدينة هو البريطاني جوزيف بتس الذي قدم إليهما عام 1680.
مما يعطي الكتاب ميزة البعد التفصيلي للرحالة في فصول مستقلة منتظمة تتيح للقاريء العادي سهولة التعاطي مع مثل هذا الموضوع ، وهو ما نجح اليافي في تجاوزه عبر ذلك الترتيب العلمي، مع النقد الموضوعي لبعض تفاصيل رحلات الغربيين في وصفهم لأجزاء المدينة المنورة من الداخل.
فمثلاً علق على وصف الرحالة الإيطالي "فارتيما" للمدينة المنورة بعدم الموضوعية لأنه مكث فيها 4 أيام فقط وهي مدة غير كافية لإعطاء صورة كاملة وشرح تفصيلي عن المدينة المنورة وساكنيها،والتي عللها "بضعف الخلفية المعرفية بالإسلام، لأن معظم معلوماته مستقاة من بعض مرافقيه الجهلة، أو لكثرة الخرافات التي انتشرت في ذلك الزمان" مضيفاً :" التي أراد منها الرحالة الإيطالي تشويق القاريء الأوروبي، وجعل رحلته تتسم بشيء من المغامرة".
السويسري جون لويس بيركهارت أحد أشهر الراحلين قدم إلى طيبة في 28 ينايرعام 1815، بعد ثلاثة عشر يوماً من مغادرته العاصمة المقدسة، ويعد أكثر الرحالة المنصفين الذين وصفوا المدينة المنورة وضواحيها ومآثرها وساكنيها والحياة الصناعية، ووضع بيركهارت رسما للمدينة ضمنه في كتابه "رحلات إلى شبه الجزيرة العربية".
البناء التاريخي كان حاضراً في الكتاب بشكل وافٍ فقدم لمحة عن التاريخ وتعريفه، ثم مدخل إلى الاستشراق كأرضية حيوية لفهم أهداف الرحالين المختلفة، ويلفت اليافي إلى وجوب عدم القبول بمعلومات الرحالة على أنها حقائق لا تقبل النقاش والبحث فهم من مشارب مختلفة، وثقافات متنوعة، ومستويات علمية متعددة، ويقول :" لهذا نجد اختلافا في كتاباتهم بحسب درجة أمانتهم العلمية، والأخلاقية، وربما تنقص بعضهم الدقة والخبرة بالإضافة إلى دوافع أخرى تدفع بعضهم للكتابة بشكل غيردقيق".