في هذا العام وصلت هجرة الأطباء والمهندسين والعلماء العرب إلى أوروبا وأميركا إلى حوالي 24000 طبيب و17000 مهندس و75000 متخصص في العلوم الطبيعية، يمثلون في المتوسط حوالي 23% من جملة هذه الفئات المهنية في الوطن العربي.

في النصف الأخير من القرن الماضي هاجر 45% من حجم الكفاءات العربية إلى أميركا وكندا وبريطانيا، وأصبح 50% من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء خارج الوطن العربي.

في الوقت الذي يتباطأ فيه النمو السكاني في معظم أرجاء العالم، يواصل عدد سكان أميركا في الارتفاع بنسبة غير مسبوقة، ليقترب من 350 مليون نسمة في عام 2013، نتيجة لثلاثة عوامل أساسية تنحصر في ارتفاع معدلات الإنجاب وزيادة أطوال أعمار السكان ومواصلة تدفق المهاجرين إلى أميركا من مختلف بقاع المعمورة بأعداد كبيرة.

قبل أسبوع صدر تقرير المعهد الأميركي للهجرة الذي أكد تربع الصين على المركز الرابع كأكبر دولة في العالم بعد المكسيك والفيلبين والهند في أعداد المهاجرين الشرعيين إلى أميركا، ليصل عدد السكان الأميركيين من أصل صيني إلى أكثر من 2 مليون نسمة.

كما أكد التقرير أن 50% من المهاجرين لأميركا يتمتعون بالدرجات الجامعية، علماً بأن 35% منهم ما زال يفتقر للتأمين الصحي و55% لا يتقن اللغة الإنجليزية و22% لا زال في مراحله التعليمية الأولية. وأضاف التقرير أن ولاية كاليفورنيا تحتل المركز الأول من حيث عدد المهاجرين الصينيين، ويسكنها حالياً 490 ألف مهاجر صيني، تليها ولاية نيويورك بعدد 340 ألفا.

منذ عام 1970 فاق معدل تدفق المهاجرين إلى أميركا نسبة مهاجر واحد في كل 31 ثانية مما أدى إلى تضاعف أعدادهم 4 مرات في العام الجاري. في عام 2000 وصلت نسبة المتخصصين في هندسة الحاسبات الإلكترونية 27% من المهاجرين، وجاء الطباخون في المرتبة الثانية بنسبة 23% والبوابون في المرتبة الثالثة بنسبة 20% من المهاجرين، مما أدى إلى زيادة مساهمتهم في نسبة نمو الاقتصاد الأميركي بمعدل 11%. هذا بالإضافة إلى أن المواليد الجدد يمثلون 15% من إجمالي القوة العاملة المهاجرة، 17% منهم للآباء الحاصلين على درجة البكالوريوس في العلوم والهندسة و29% من الحاصلين على درجة الماجستير و39% من الحاصلين على درجة الدكتوراة. من بين غالبية المهاجرين حقق المواليد من أصل آسيوي أفضل الشهادات العلمية، حيث حصل 45% منهم على الدكتوراه في الهندسة و38% على الدكتوراه في الرياضيات والكمبيوتر و17% على الدكتوراه في الفيزياء والكيمياء.

اليوم تحتفل أميركا بمساهمة أكثر من 15000 طبيب عربي في علاج مرضاها و7000 مهندس عربي في زيادة عوائد مصانعها و4500 عالم عربي في الفيزياء والكيمياء والرياضـيات لإثـراء معاهد أبحاثها.

اليوم تتباهى أميركا بالجالية الصينية المهاجرة، التي يعمل 650 ألفاً منهم في معاهدها البحثية الفضائية والتقنية، وتتفاخر بخبراء الاتصالات وتقنية المعلومات الذين فاق عددهم 900 ألف مهاجر هندي، وتعتمد على أكثر من 12 مليون مكسيكي مهاجر في الزراعة وتربية المواشي إلى جانب خدماتهم في المطاعم والفنادق والمقاهي.

المنظمة الدولية للهجرة أكدت بأن هناك في الوقت الراهن أكثر من 200 مليون مهاجر حول العـالم، حيث استقبلت أوروبا 71 مليون شـخص وجـاءت أميـركا في المرتـبة الـثانية بعدد 46 مليـون مهاجر، وتبعتها آسيا التي استقـبلت حوالي 25 مـليون مهاجر.

وبناءً على ما جاء في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في الوطن العربي، فإن أكثر من مليون عالم وخبير عربي من حملة الشهادات العليا أو الفنيين المهرة هاجروا إلى الغرب خلال نصف القرن الماضي، وأن 50% من الكفاءات العربية هجرت ديارها منذ الحرب العالمية الثانية، معظمهم حاصل على شهاداته في التخصصات الحرجة والإستراتيجية مثل الجراحات الدقيقة والطب النووي والعلاج بالإشعاع والهندسة الإلكترونية والميكروإلكترونية والهندسة النووية وعلوم الليزر وتقنية الأنسجة والفيزياء النووية وعلوم الفضاء والميكروبيولوجيا والهندسة الوراثية. وأوضح التقرير أن الإحصاءات تشير إلى أن 60% ممن تلقوا تعليمهم في أميركا و50% ممن درسوا في فرنسا خلال العقود الثلاثة الماضية لم يـعودوا إلى بلادهم. ولا غرابة في ذلك حيث يتراوح عدد العلماء والباحثين في الدول المتـقدمة بين 2-5 لكل ألف نسـمة بيـنما لا يزيد في الدول النـامية عن 1-3 لكل عشرة آلاف نسمة.

هجرة العقول العربية تعتبر الخسارة الكبرى للوطن العربي الذي يُعَدُ من أكثر المناطق أميّةً في العالم، بنسبة فاقت 49%، وهي الأعلى في العالم مقارنة بمعدل 30% في الدول النامية و1,4% في الدول المتقدمة. هذه النسب تدلّ على وجود أكثر من 70 مليون أمّي في الوطن العربي ليصبح هذا الرقم أحد أهم المعوقات الرئيسية أمام التنمية العربية في عصر تمثل فيه الكفاءات العلمية والتقنية والمعرفة المصدر الرئيسي للميزة النسبية وأساس التفوق والتنافس بين الأمم.

من الواضح أن هدف أميركا يصب في فتح باب الهجرة إليها للعقول العربية والصـينية والهندية ولكل من يتمتع بمهارات عالية ليصبحوا مصـدراً مهما للاقتصاد القومي الأميركي الذي تحـكمه تـقنيات المعـلوماتية وقـوانين المعرفة ومبادىء العولمة، وليـلعبوا دوراً مـهماً في هـيمنة أمـيركا على الـعالم في مجـالات الـعلوم والهـندسة والتـقنية والـطب.

على الدول العربية أن تبدأ جدياً باتخاذ كافة الخطوات الإيجابية لجذب علمائها وترغيب مهندسيها والعناية بأطبائها بدلاً من تطفيشهم وتهجيرهم لأميركا وأوروبا وآسيا.