عندما كان أفراد الشعب الإيراني يسمعون حجم المساعدات التي ضختها الحكومة الإيرانية إلى جنوب لبنان كانوا يعضون على شفاههم. وعندما كانوا يسمعون عن كميات النفط والغاز التي يتم منحها إلى سورية مجانا، كانت علامات الغضب ترتسم على وجوههم. الحكومة الإيرانية تشجع الشعب على زيارة الأماكن المقدسة عند الشيعة في سورية، مثل مسجد السيدة زينب، لتحسين وضع السياحة إلى سورية ومساعدتها على تحسين اقتصادها.

الحكومة الإيرانية تفعل كل هذا لأن حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي، ساعد إيران خلال حربها مع العراق. ولكن لماذا فضل حافظ الأسد أن يساعد إيران ضد دولة عربية؟ ببساطة بسبب المنافسة بين جناحي حزب البعث في العراق وسورية. ولكن بالنسبة للنظام في إيران تم تفسير ذلك بطريقة مختلفة: أن الشيعة يساندون بعضهم بعضا.

ثروة إيران من النفط والغاز كانت تضخ إلى سورية وتساعد على تحسين الاقتصاد السوري مما ساعدها على التطور خلال السنوات الأخيرة. ولكن علينا ألا نعتقد أن بشار الأسد مغرم بإيران أو أنه معجب بفكر القادة في إيران. لو كان ذلك صحيحا لارتدت زوجته أسماء الحجاب ولكان الأسد فرض تطبيق الشريعة الإسلامية في سورية. هو لم ولن يفعل ذلك وسورية دولة علمانية على نقيض إيران، وهي تستقبل السياح من كافة أنحاء العالم. الإيرانيون يزورون سورية لسببين: زيارة الأماكن المقدسة ومراجعة السفارة الأميركية. لكنني لم أجد أي سوري يرغب في زيارة إيران بقدر ما يرغب الإيرانيون في زيارة سورية.

العلاقة بين البلدين استراتيجية، قام السياسيون الإيرانيون بتحويلها لتناسب أهدافهم. إيران تحتاج سورية كطريق آمن لتمرير الإمدادات إلى حزب الله في لبنان لدعم ما يسمى "محور المقاومة". لكن الكثير من الإيرانيين لا يرغبون في الحقيقة أن يروا بلادهم تتحول إلى جمعية خيرية لحزب الله وحماس وحتى سورية.

لقد كانت سورية تتمتع بعلاقات دبلوماسية كاملة مع الولايات المتحدة حتى العام الماضي، وفي نفس الوقت لديها علاقات مميزة مع إيران وتتحكم بمساعداتها لحزب الله وتحقق الأرباح المادية من وراء ذلك مثل أي سمسار. هذا السمسار كان مهتما في وقت ما بمحادثات السلام مع إسرائيل وهو في نفس الوقت يستخدم المشاعر المعادية لأميركا لكسب ود الإيرانيين. اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري لا يزال قضية مفتوحة وأحد أهم المتهمين فيها – زوج شقيقة الرئيس السوري آصف شوكت - قتل في انفجار في مبنى الأمن القومي في دمشق منذ فترة وجيزة.

في عام 2008 توسطت تركيا بين سورية وإسرائيل للعودة إلى محادثات السلام، وبالفعل عقدت أربع جولات من المباحثات غير المباشرة، لكنها توقفت مع استقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت إيهود أولمرت. وفي 2010 عبر بشار الأسد عن اهتمامه باستئناف المباحثات، مع أن سورية كانت مع إيران وحزب الله وحماس في محور المقاومة. يبين ذلك أن سورية تعتبر إيران وحزب الله وحماس حلفاء يمكن التخلي عنهم عندما تنتهي صلاحيتهم. لكن من سوء حظ الأسد أن المباحثات مع إسرائيل فشلت وبقي مرتبطا مع النظام الإيراني.

اليوم، تعتبر إيران وحزب الله بقاء الأسد في الحكم ضروريا. ولكن رغم كل المساعدات للنظام والاستثمارات في سورية لم تستطع الحكومة الإيرانية شراء حماية كافية لمواطنيها الذين يزورون سورية لأسباب مختلفة. فمنذ فترة تعرضت حافلة تقل 48 زائرا إيرانيا على طريق مطار دمشق للخطف، وقال الخاطفون إن الإيرانيين ينتمون إلى الحرس الثوري الإيراني. بالنسبة لي، كصحفية إيرانية نشأت في طهران وراقبت السياسة الإيرانية على مدى عقود من الزمن، أميل لتصديق رواية وزير الخارجية الإيراني بأن الإيرانيين المخطوفين هم متقاعدون من القوات المسلحة والوظائف الحكومية. هذا التفسير قريب إلى المنطق لأن عناصر الحرس الثوري يتمتعون بمهارات عالية وكان يفترض أن يحملوا أسلحة معهم لو كانوا في مهمة عسكرية ومن الصعب تصديق أنهم كانوا يسافرون حتى بدون مرافقة لحمايتهم بحيث إن سائق الحافلة قرر تغيير اتجاهه دون أن ينتبهوا لذلك. لكن المعارضة السورية تعتبر الإيرانيين أعداء لهم. ثم إن السوريين لا يعرفون حقيقة مشاعر الإيرانيين العاديين تجاههم، ومن الصعب أن يميزوا بين النظام الإيراني والشعب العادي.

أذكر عندما خطفت حركة طالبان دبلوماسيين إيرانيين في مزار شريف في أفغانستان في 1998، صدم الشعب الإيراني وطالب الحكومة بالتحرك فورا لإطلاق سراحهم، حتى إن إيران كانت على وشك فتح جبهة مع طالبان. حكومة الرئيس خاتمي تعرضت في ذلك الوقت لضغوط شعبية عارمة لمتابعة القضية. فلماذا إذا لا يتم وضع حكومة الرئيس الأسد اليوم أيضا تحت ضغوط مماثلة من أجل إنقاذ هؤلاء المواطنين الإيرانيين؟

إذا كانت الحكومة الإيرانية تحتاج إلى الأسد من أجل صورتها فإن الشعب الإيراني سيكون أكثر سعادة عندما تتخلص من شراكة النظام السوري، وما يكلف ذلك من ثروة إيران الوطنية. إن على الشعب السوري أن يثق بأن الشعب الإيراني ليس سعيدا أبدا بعلاقة حكومته مع نظام الأسد، تماما مثل الشعب السوري نفسه.