تلقيت بارتياح كما الكثيرين من أبناء الوطن العربي والإسلامي من المهتمين والقلقين من تزايد ظاهرة التعصب الطائفي والعنصري في مجتمعاتنا دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية، التي أطلقها في افتتاح القمة الإسلامية الاستثنائية التي أقيمت مؤخرا في مكة المكرمة.

لا شك في أن هذه الدعوة تعد اعترافا بأن العالم العربي والإسلامي يعيش مرحلة تفتقر إلى التضامن والتسامح والاعتدال، وهي المكونات الثلاث التي دعا إليها -حفظه الله- مع نبذ التفرقة ومحاربة الغلو والفتن، والتي كما هو واضح أصبحت السرطانات التي بدأت تفتت العالم الإسلامي وتعيد إلى الأذهان التاريخ وقصة إمبراطورية كان اسمها الأندلس.

وقد كان خادم الحرمين واضحا في حديثه عندما وصف الأمة الإسلامية بأنها تعيش اليوم حالة من الفتن والتفرقة، وبسببها تسيل الدماء بين أبنائه، وفي أرجاء كثيرة من العالم الإسلامي، وهو الوصف الذي لا يمكن أن ينظر إليه إلا باعتباره تشخيصا لواقع مؤلم بعض مسبباته أبناء جلدتنا، والآخر ناتج عن أحقاد أقوام مختلفين.

كمتابع ومراقب لإشكالية العنصريات والتفرقة بين أبناء المجتمع أجد أن هذه الدعوة التي ستدعمها المملكة بالمال والجهد لتحقيق هدف التقريب وردم الهوة التي نشأت نتيجة تراكمات تاريخية منبعها سياسي وذات تجليات دينية ستواجه الكثير من التحديات، نتيجة تجذر الفكر الإقصائي لدى الأطراف المختلفه وقناعة البعض أنه يمتلك الحقيقة المطلقة.

الواقع الذي يجب أن يعيه المشرعون والمعنيون بأنماط السلوك البشري والاجتماعي هو أن حالات الاحتقان المذهبي والنعرات العنصرية ليست فقط ظاهرة أممية، بل أصبحت منتشرة في مجتمعاتنا المحلية وبين الصغار والمراهقين بالتحديد، ففي وقت أصبحت الأسرة أكثر تفككا نتيجة تغير شكل ومعنى الأبوية الاجتماعية، أصبح المراهق يبحث عن معنى الانتماء والقيمة الاجتماعية التي تساعده على التخندق والاحتماء مع أقرانه من أبناء طائفته وعشيرته.

دعوة خادم الحرمين الشريفين ذات البعد الإسلامي والعالمي تجعلني أشعر أننا أصبحنا أقرب وأقرب من إمكانية تأسيس "مركز وطني لمحاربة العنصرية" يعنى بالعمل على تجريم العصبيات المحلية العنصرية منها والعرقية والطائفية وطمس معالمها، وهي التحديات التي أراها من أخطر ما تواجهه وحدتنا الوطنية، فإنشاء مثل هذه المؤسسات الوطنية سيعمل على استكمال دورنا الأممي كدولة رائدة في مجال فتح قنوات الحوار، واعتباره أساسا للتعاون والتعامل بين أبناء البشرية ووسيلة التقارب والتعاون المثلى لخدمة الإنسانية جمعاء.