ليست هناك خصوصية ليوم دون يوم، فالشمس تشرق في كل يوم كما تشرق في بقية الأيام، وتغرب في هذا اليوم كما تغرب في بقية الأيام، فما الذي يعطي للزمن خصوصيته، بحيث يصبح مقدّساً ويتحوّل إلى عنوان يفرض الاهتمام والاحترام؟ إنه الحدث الذي يقع في الزمن، فيعطيه معناه في وجدان الإنسان، بمعنى أن نحتضن الزمن أو أن نحترمه ونقدسه من خلال احترامنا للحدث، سلبياً إذا كان في دائرة السلب، أو إيجابياً إذا كان الحدث في دائرة الإيجاب! ومن هنا فإن قيمة هذا العيد تأتي امتدادا لقيمة شهر الصوم من حيث إنزال القرآن فيه، ولذلك لا بدّ أن يتحوّل الزمن إلى زمن هدى ينفتح فيه الناس على هدى القرآن، قراءةً وفكراً وحركة لأن الزمن هو عمرنا الذي يجب أن نفكر من خلاله في مسؤوليتنا الإنسانية، التي تنطلق من العدل والحرية والكرامة.

في هذا اليوم تنطلق الأحلام وهي ترصد تقويم الزمن الماضي وتراقب ساعاته وأيامه محصلاتنا من ذلك الزمن الذي مر، عالم يعج بالتناقضات والمفارقات، الساعة هنا تشير إلى نهاية 30 رمضان 1433هـ والجميع تغمرهم ساعات البهجة والفرح بعد توديع شهر الصوم الكبير وفي ذات الحال هناك من يشعر بالأسى ذلك الذي يحس بقيمة الزمن الذي فلت من تقويم العمر.. لتسقط ورقة جديدة من شجرة الحياة. نتبادل التحايا، وفي الحلق شجى، وفي العين دمعتان، لنقل هما للفرح والأسى، تخفقُ القلوب خلفَ سماعات الهاتف ورسائل العيد تبارك وتهنئ وتفتحُ نوافذَ الزمن الماضي على ذكرى جميلة لا تلبث أن تسـقط دمعة عـلى من فقـدناه.

ما هو العيد؟ يذهب علماء النفس إلى تفسيرات عديدة لمعنى العيد: فعالم النفس (اريك فروم) الذي وضع مقدمة لنظريته في(نسق الأخلاق) في إطارها الإنساني والاجتماعي، مؤكدا على عدم فصل الإنسان عن أوضاعه الاجتماعية، وأكد على أن (العيد) هو تجسيد واضح لمظاهر التضامن الاجتماعي، وتجديد الصلة بين الناس.

حتى إن بعضهم يقول: من أراد معرفة أخلاق المجتمعات فليراقبها في أعيادها، ما أجمل أن نُرسخ في أعيادنا مبدأ (العدالة الاجتماعية) كحصيلة لعلاقات توطد قيمة البشر وتأخذهم إلى حيز كبير من التوافق والانسجام والذي سيؤدي إلى انتصار على قسوة الحياة، ليبعث البهجة والسرور في نفوس البشرية جمعاء، في تجديد لا مثيل له ورؤية غير خاضعة لمقاييس الزمن، حين يحل التوافق والتضامن الاجتماعي.

والسؤال: هل يا ترى سيدخل عيدنا إلى بيوت الفقراء المسلمين في العالم لنمنحهم العيدية؟ هل يا ترى ستطفئ أنوار ومصابيح هذا العيد وإلى الأبد نيران الحروب والكوارث في العالم؟ هل يا ترى ستهجر المخيمات والعراء أطفالنا في فلسطين إلى بيوت آمنة؟ هل يا ترى ستُجفف مناديل العيد، أحزاننا ودموعنا، وتزرع الورد في أكفنا المشرعة للحياة؟ هل يا ترى يحق لنا في (العيد) أن نحلم؟ أغمض عيني في آخر دقيقة صمت وفرح من رمضان 1433هـ لأقول لكم جميعاً : كل عام وأنتم بخير وأمن وسلام وأمنياتِ ومحبة.