كادت عائلة زعيم تنظيم "القاعدة" السابق أسامة بن لادن المؤلفة من زوجتيه السعوديتين خيرية صابر وسهام صابر واليمنية أمل السادة وأبنائهن، تغادر باكستان لو لم تتدخل وزارة الداخلية فجأة وتمنع سفرهم، وتسجل في حقهم دعوى قضائية بتهمة الإقامة غير الشرعية مدة 5 سنوات، لتبقى المشاكل تواجه العائلة بعد مماته كما في حياته.

ففي 17 مارس الجاري ذكر محامي زوجات بن لادن المحتجزات محمد عامر أن المحكمة قررت تمديد فترة احتجازهن مع أبنائهن الخمسة لمدة 9 أيام إذ بدأت مرافعات جديدة ضدهم بتاريخ 26 مارس الجاري لمعرفة العناصر التي ساعدتهم على المجيء لمجمع أسامة بن لادن في ثكنة أيبت أباد وبالقرب من أكاديمية كاكول العسكرية.

وعلم من مصادر عسكرية أن القضية تعقدت أخيرا لأن الأمر لم يعد يقتصر على الإقامة غير الشرعية في باكستان إنما يشمل الآن معرفة تفاصيل الشبكة السرية الخاصة التي كانت تحمي بن لادن وعائلته لمدة 5 سنوات من دون علم الحكومة المدنية والسلطات العسكرية وتداعيات ذلك على مصالح باكستان الحيوية العليا بما في ذلك الإساءة لسمعتها محليا وعالميا والانتقاص من الدور الذي أدته في مكافحة الإرهاب ومطاردة قيادات "القاعدة" في منطقة القبائل وتمكنها من إلقاء القبض على رموز كبيرة في التنظيم.

ولم يسلم من الاعتقال زكريا أحمد عبدالفتاح السادة شقيق أرملة بن لادن اليمنية أمل، الذي حضر إلى إسلام أباد في مايو لإنهاء أوراق مغادرتها إلى اليمن، وتكليفه المحامي محمد عامر متابعة قضية شقيقته وأولادها الخمسة. وقدم عامر أيضا طلبا للمحكمة التمس فيه منها مقابلة عبدالفتاح وأن تأمر بإحضاره في المرافعات التي بدأت يوم 26 مارس الجاري.

وبناء على هذه المستجدات ما زالت الضبابية مستمرة حول مصير زوجات بن لادن وأبنائهن في باكستان وسيستغرق الأمر وقتا طويلا. وكشفت المصادر أن أمل السادة كانت في مجمع بن لادن حين دهمته قوة أميركية خاصة وقتلته في الثاني من مايو سنة 2011، وإنهاء تفاصيل الحقائق عن مدى صدق النظرية الأميركية حول مقتل بن لادن لاسيما بعد ظهور أصوات في الولايات المتحدة تشكك في العملية وتعتبرها مختلقة، مؤكدة أن بن لادن قتل في 7 أكتوبر سنة 2001 عندما قصفت الطائرات الأميركية مخبأه في جبال تورا بورا.

كما أكد تلك الرواية كبار الشخصيات العسكرية الباكستانية بما في ذلك رئيس المخابرات العسكرية السابق الجنرال حميد جول ورئيس أركان الجيش السابق الجنرال مرزا أسلم بيك.

وعُلم من مصادر عسكرية أن لجنة التحقيق المكلفة بمعرفة ملابسات عملية جيرونيما أكملت التحقيق مع زوجات بن لادن وسجلت إفاداتهن حول العملية وحول الفئات التي كانت على اتصال مع بن لادن وأنها سمحت للحكومة الباكستانية بتسفيرهن. وكانت السلطات العسكرية نقلت العائلة كلها إلى منطقة غير معلومة بعد محاولة حركة طالبان اختطاف أحد كبار المسؤولين لإجبار الحكومة على تسفير عائلة بن لادن إلى اليمن أو السعودية.

وكشف المصدر أن حركة طالبان باكستان (الشق الموالي للولايات المتحدة والذي يستهدف الجيش والأجهزة الأمنية والمجتمع المدني بقنابل على قارعة الطريق تفجر بآلة تحكم عن بعد) حاولت تنفيذ عملية الاختطاف في 10 أكتوبر الماضي من السنة الجارية لكن المخابرات العسكرية أحبطت المحاولة ونقلت العائلة كلها لمنطقة مجهولة.

القيمة السياسية للعائلة

يكتسب وجود عائلة أسامة بن لادن لدى المؤسسة العسكرية قيمة سياسية مهمة، خصوصا أنها تعرف حقيقة ما حصل في عملية "جيرونيما"، لاسيما بعد ظهور حال من التناقض في الموقف الأميركي وتعدد النظريات حول عملية مقتله. فقد صرح الناطق باسم البيت الأبيض أولا أن أسامة بن لادن كان مسلحا عندما قتل، ثم عدل الناطق المذكور تلك الرواية وقال إنه لم يكن مسلحا. كما ذكر أن زوجته قتلت معه ولكنه عاد فقال إنها لم تقتل بل أصيبت بساقها.

وتفيد النظرية الأولى بأن الولايات المتحدة لم تقتل بن لادن بل قتلت شخصا شبيها به وأن هذا السبب هو الذي جعل الولايات المتحدة تمتنع عن نشر صورة جثته وتدعي أنها دفنته في البحر. وتبشر النظرية أن بن لادن سيظهر مرة أخرى ليثبت وجوده حيا يرزق.

أما النظرية الثانية فتقول إن بن لادن كان ميتا بفعل مرضه الكلوي وأن المخابرات العسكرية ووكالة المخابرات المركزية الأميركية اتفقتا على "تمثيلية قيام القوات الخاصة الأميركية بقتله" لرفع شعبية الرئيس الأميركي باراك أوباما المتدنية لاسيما أنه مقبل على انتخابات عامة ولرفع قيمة الدولار المتدني نظرا لقيام إدارة أوباما بطبع تريليونات الدولارات لتغطية العجز المالي والتجاري الأميركي.

حسب النظرية الثالثة فإن أسامة بن لادن قتل في (تورا بورا) خلال القصف الأميركي المكثف في أكتوبر سنة 2001 وأن عملية القوات الخاصة لم تحصل أصلا وإنما كانت عبارة عن "فيلم فيديو" بالتنسيق ما بين المخابرات العسكرية الباكستانية ووكالة المخابرات المركزية الأميركية لرفع معنويات القوات الأميركية في أفغانستان وقبل انسحابها التدريجي الذي بدأ فعلا في منتصف شهر يوليو من السنة الجارية.

وتقول نظرية رابعة أن أوباما وجد أنه لا يمكنه سحب القوات الأميركية من أفغانستان طالما ظل بن لادن على قيد الحياة. وحسب تلك النظرية فإن وكالة المخابرات المركزية الأميركية هي التي كانت تحمي بن لادن وتستخدمه لخدمة مصالح أميركا وتبرير التواجد العسكري في أفغانستان وأنها هي التي قتلته بعد أن قرر أوباما سحب القوات الأميركية من أفغانستان.

وتدعي النظرية الخامسة أن أوباما فتح اتصالات سرية مع طالبان أفغانستان للتوصل إلى حل سلمي للأزمة الأفغانية بضمان مشاركة طالبان في السلطة ولكي يضمن أن طالبان لن تتصل مستقبلا بالقاعدة قتل بن لادن. وتذكر النظرية السادسة أن الولايات المتحدة قررت قتل بن لادن نتيجة لظاهرة الربيع العربي، إذ لم تعد بحاجة إليه فقررت التخلص منه لسحق القوى المتطرفة والمتشددة ولتقوية القوى الليبرالية والديموقراطية في العالم العربي.

جيرونيما

تتضارب التقارير حول العملية التي قامت بها وحدات الكماندو الأميركية في الثاني من مايو سنة 2011 وقتلت خلالها أسامة بن لادن في (بلال كالوني) بمحافظة أيبت أباد إقليم خيبر بختونخواه.

البيان الرسمي الأميركي يؤكد أن القوات الخاصة قامت بالعملية لوحدها ولم تعلم باكستان أو أي دولة أخرى بالعملية. والبيان الرسمي الباكستاني الصادر عن وزارة الخارجية يؤكد ذلك. أما الجيش فلزم جانب الصمت إذ أصدرت له تعليمات بعدم التعليق، كما ألغى رئيس أركان الجيش الجنرال أشفاق كياني زيارة مبرمجة لبروكسل بعد قتل زعيم القاعدة.

واتخذت الولايات المتحدة موقفا صارما من باكستان وطلبت منها أن تقدم لجهاز المخابرات المركزية كافة التسهيلات لاستجواب زوجة بن لادن التي جرحت خلال العملية وأولاده. كما تستخدم الإدارة الأميركية حاليا أسلوبا متدنيا في مخاطبة الجهات الرسمية والعسكرية تتحدى فيها الدولة الباكستانية ومؤسساتها لاسيما العسكرية والأمنية، متهمة إياها بالتورط بأعمال الإرهاب وحمايته والكذب والغش وعدم الكفاءة وأن الولايات المتحدة منحتها أكثر من 10 مليارات دولار خلال السنوات العشرة الماضية ضمن إطار الحرب ضد الإرهاب. لكن باكستان ترد بلغة الأرقام وتثبت أنها حصلت من أميركا خلال 10 سنوات (2001-2011) على أقل من 500 مليون دولار، بينما وصلت خسارتها من جراء مشاركتها في الحرب الأميركية ضد الإرهاب إلى 69 مليار دولار (تقرير البنك المركزي الباكستاني في 15 ديسمبر سنة 2011).

وأثارت عملية "جيرونيما" حالة من الإحباط بين الناس لاسيما بين صفوف المؤسسة العسكرية لأنها أثبتت تورطها في دعم القاعدة، ولأن القوات الخاصة نجحت في اختراقات الدفاعات الجوية الباكستانية وقتلت زعيم القاعدة وانتشلت جثته ورجعت لأفغانستان. وكانت حالة الدهشة والذهول في ذروتها بين صفوف عامة الناس لاسيما المثقفين منهم وأفراد القوات المسلحة والمتقاعدين. لأن أميركا أذلت الجيش وأجهزة مخابراته بتنفيذ العملية من دون أن تعلمه بها ودون أن تطلب إذنا منه كي تثبت أن بوسعها أن تعمل ما تشاء.

وعلى الرغم من ترويج نظرية أن العملية كانت مشتركة وأن الخلافات ما بين المخابرات العسكرية ووكالة المخابرات المركزية كانت عملية "تمويه" وخداع، لم تؤيد أي جهة تلك النظرية التي لا تستند إلى أي إثبات لذلك لا يؤخذ بتلك النظرية لأنها تدخل ضمن إطار التكهن.

التداعيات

أما تداعيات قتل بن لادن في مدينة أيبت أباد فهي خطيرة للغاية، ليس على المخابرات العسكرية والمؤسسة العسكرية فحسب بل على باكستان نفسها. وبدأت أميركا وبريطانيا وفرنسا مجتمعة وبصورة منسقة، حملة ضد المؤسسة العسكرية تطلب فيها "الإجابة عن أسئلة عديدة حول علاقاتها بتنظيم القاعدة". والحملة الإعلامية الحالية تركز على أن الجيش الباكستاني كان يحمي رئيس تنظيم القاعدة بين 2005 و2011 حيث انتقل من مخبئه في أفغانستان إلى المجمع الذي كان يعيش فيه في مدينة أيبت أباد. والأسئلة التي تثيرها الولايات المتحدة عديدة أهمها: ما طبيعة العلاقات بين الجيش وتنظيم القاعدة؟ ما هو حجم المساعدات العسكرية الباكستانية لزعيم تنظيم القاعدة؟ من هم الأفراد وراء قرار أن يقوم الجيش بحماية أسامة بن لادن؟ ما هو دور المؤسسة العسكرية خلال السنوات الست الماضية في الأعمال الإرهابية التي قام بها أسامة بن لادن في مختلف أنحاء العالم؟

وشكلت الحكومة المدنية بإيعاز من أميركا لجنة تحقيق واستجواب المرتبطين من الجيش بأسامة بن لادن وتقديمهم للمحاكمة. كما بدأ النظام الحاكم الموالي لأميركا بفتح ملفات قديمة أهمها:

• ملف شبكة الدكتور عبدالقدير خان المتورطة ببيع التكنولوجيا النووية في السوق السوداء وتحديد الشخصيات العسكرية التي كانت وراءها والدول الخارجية التي كان على اتصال بها ومعاقبتهم وتسليم خان لأميركا لاستجوابه.

• موضوع الهجوم على مومباي بتاريخ 26 نوفمبر سنة 2008 وتورط المخابرات العسكرية بتخطيطه بالتعاون مع منظمة (لشكر طيبة).

• التحقيق بطبيعة العلاقات بين المخابرات العسكرية وشبكة سراج الدين حقاني في وزيرستان وتحديد هوية الشخصيات العسكرية المتورطة بالارتباط ودعم الشبكة ومعاقبتهم.

• تفكيك كافة المنظمات الجهادية والمتشددة في باكستان والتي لها اتصالات بالمخابرات العسكرية أو أنها صنفت على أنها منظمات إرهابية.

• إجبار الجيش على نزع السلاح النووي على اعتبار أن له ارتباطات بتنظيم القاعدة.

• فتح ملف الصحفي الأميركي دانيال بيرل ودور المخابرات العسكرية في اختطافه وقتله في كراتشي في فبراير سنة 2002.

ونظرا لعدم تجاوب باكستان مع الطلبات الأميركية فإن الولايات المتحدة فرضت عقوبات اقتصادية عليها وتعبئ حاليا كافة الدول الأوروبية وأستراليا وكندا ضدها لضمان حصول انهيار اقتصادي في باكستان. العلاقات الحالية بين باكستان والولايات المتحدة الأميركية متدهورة جدا لدرجة أن واشنطن تهدد حاليا بأنه في حالة عدم استجابة باكستان لمطالب أميركا فإنها ستعلن باكستان دولة إرهابية وستعمل مع المجتمع الدولي لطرد باكستان من الأمم المتحدة.

بن لادن والمسجد الأحمر

كانت السلطات الباكستانية على علم بأن أسامة بن لادن يسكن في منطقة القبائل تحت حماية حركة طالبان منذ أحداث المسجد الأحمر بلاهور في يوليو سنة 2007. فقد نظم بن لادن عمليات انتحارية استهدفت الجيش والأجهزة الأمنية ليخفف من حدة حصار الجيش للمسجد الأحمر. ورد الجيش بعملية عسكرية واسعة النطاق باسم (عملية منغورة) بعد أن أعلنت حركة "تحريك نفاذ شريعت محمدي" الجهاد ضد الجيش والمؤسسات العسكرية والمدنية إثر "عملية الصمت" ضد المسجد الأحمر ومدرسة حفصة المرفقة به. وكانت لدى المخابرات العسكرية معلومات تفيد بوجود أسامة في (منغورة) بوادي سوات وهو الذي جعل الجيش يقوم بتلك العملية.