إنه لأمر ذو دلالة عجيبة أن يكون أكثر بيت ارتباطا بالعيد في شعرنا العربي هو ذلك البيت الشهير والكئيب للمتنبي: "عيد بأية حال عدت يا عيد = بما مضى أم لأمر فيك تجديد؟"، هذا البيت الذي أطلقه المتنبي بعد رحلة طويلة من "الإحباط" كأنما حل لعنة على الأعياد أو كأنما جاء نبوءة منه لواقع، وأيا يكن، فكأنما يحلو لنا نحن ترديد هذا البيت في الأعياد كنوع من التعبير عن الإحباط الخفي الكامن فينا، أجيالا بعد أجيال، أو ربما لأننا قلما ننظر في عيـد لواقعـنا فنجد ما لا يحبطنا.

من ينظر اليوم لخريطة العالم العربي لن يجد على الأرجح بقعة فيه دون مشكلة أو أزمة، السوريون يستقبلون العيد للعام الثاني على التوالي بالرصاص والقذائف أو بأكياس الغذاء في مخيمات اللاجئين، أكثر اليمنيين تقريبا سيستقبل العيد ببطون خاوية بعد أن نخر الفقر عظامهم، والفلسطينيون على حالهم القديم لا تملك بعض العوائل أن تتجمع لمشاركة العيد بعد أن أذلهم الاحتلال وشتت قراهم وعزلها عن بعضها، وفي العراق ربما سيستقبل الناس عيدهم بمشاعر الخوف من أن يكـونوا ضـحية تفجير إرهـابي بعد أن عادت للعـراق دموية التفجـيرات الإرهـابية.

على امتداد العالم العربي يأتي هذا العيد وهو يجلوه شعور الترقب والتخوف من الأوضاع السياسية والاقتصادية، فالأردن في أزمة، ولبنان في أزمة أكبر، والسودان في أزمة مركبة، وليبيا لا تزال قبائل متناحرة، وتونس تشهد بدايات تصدع اجتماعي، وأينما يمم المراقب وجهه في أغلب البلدان العربية وجد ملامح أزمة عميقة، وإن خفي بعضها أو ظهر بعضها الآخر، حتى الخليج بات له ما له وعليه ما عليه، فالكويت تمر منذ مدة بأزمة سياسية حقيقية، والبحرين في أزمة أكبر، وعمان لم تسلم من أن تأخذ نصيبها في تصدر نشرات الأخبار.

ولكـن في واقع الأمـر فإنه قل ما مر على عالمنا العربي عهد لم نكن فيه في مواجهة سيل من المشاكل والتـحديات والأحـداث الكبيرة، وقل ما شهدنا منذ بدء عصر الدول الحديثة سنوات من الاسـتقرار السياسي والاقتصادي الذي يجعل العرب ينـظرون بنفـس العـين للـعالم من حولهم، وخاصـة من سبـقوهم بإحسـان نحو الـعدالة والـحداثة مـن الـدول والأمـم.

منذ تأسست الدولة العربية الحديثة وهي في دوائر من الصراع المستمر، صراع ضد المحتل الأجنبي، أو صراع من أجل التأسيس، أو صراع بين الطبقات والأحزاب أو صراع ضد الأحزاب الحاكمة، أو صراع بين أبناء الشعب الواحد، أو صراع مع القوى العالمية والمحتلة في المنطقة، أو صراع ضد الاقتصاد أو من أجل الاقتصاد، أو صراع من أجل المجتمع أو ضد المجتمع، صراعات لم تنته، شحذت مرات باسم الدين ومرات باسم الشعب ومرات باسم مصير الأمة ومستقبلها، الذي للأسف لم يأت إلى اليوم.

الرصيد العربي من الإحباط كبير جدا، إحباط عند النظر في الماضي، وإحباط من الحاضر، وإحباط بسبب فقدان الأمل في المستقبل.

ليس هناك أخطر من "إحباط" يصيب شخصا، فهو قد يكون دافعا للانكفاء أو في المقابل دافعا للانفجار، ألـيس الربـيع العـربي الذي أصاب دولا هو في وجه من أوجهه ترجـمة لعقود من الإحباط العام وفقدان الأمل بالمستقبل حتى جاءت لحظة الانفجار. قد تتفاوت مشـاكل أو أزمـات الدول الـعربية في حدتها وقد تتباين في طبـيعتها، لكنها تتصل جمـيعا بخيط واحد يبدأ من "الإحباط" وينتـهي بحـالة الغـليان التـي نشـهدها الـيوم في بعـض الـدول ونـترقبها في أخـرى.

واليوم يعود عيد آخر ولعلنا نتساءل بأية حال يعود، وما هي أمنيات السوري أو الفلسطيني أو المصري أو اليمني أو الصومالي أو الخليجي أو غيرهم في هذا العيد؟ لعلنا نتساءل فنقارن، فنرى إن كنا نشعر بما يشعر به غيرنا أم أننا ننفصل عنه كلية؟ ولعلنا نتساءل فنرى هل يوجد حقا ذلك القاسم المشترك بيننا جميعا أم لا؟ ولعلنا نتساءل ماذا يتمنى كل منا في هذا العيد؟ وماذا يتمنى جاره؟ ولعل المسؤول يسأل ماذا يتمنى المواطن حقا؟

ولكل مسؤول عربي أقول: سيدي المسؤول، هذه أمنيتي في العيد.. أن تنزع أسباب الإحباط من مجتمعاتنا.