في العيد.. ستجد الفقراء الذين لا يكادون يلبسون الجديد إلا في هذا اليوم، والذين بالكاد وجدوا المال الكافي لشراء ثوب رخيص، أكثر فرحا وسعادة وإحساسا ببهجة العيد، من أولئك الذين أنفقوا الآلاف ليبدون في العيد بأبهى صورة، بل أكثر من الذين يبتكرون الأعياد طوال السنة بلبس الجديد وإقامة الولائم والتبذير فيها، وجمع الأحبة من حولهم. أما المثقفون والأدباء والكتّاب الذين يقضون جل وقتهم منغمسين في الكتب والأوراق حتى تكاد تكون صلتهم بالعالم الخارجي شبه معدومة، فيرفعون رؤوسهم يوم العيد، يطلقون الزفرات متحسرين، ويرددون قول أبي الطيب المتنبي:

عيد بأيةِ حال عدت يا عيـد بما مضى أم لأمرٍ فيك تجديد.

في العيد.. ستجد كيف يسارع الناس إلى هجران رفيقهم اليومي الدائم في رمضان (القرآن الكريم)، في أول يوم من رحيله.

في العيد: تصدح التلفزيونات في بيوتنا تردد الأغنية التي تكاد تكون تقليدا متبعا في أغلب البيوت لا يتم العيد إلا به (العيد فرحة، وأجمل فرحة) وسكان هذه البيوت يعلمون جيدا أنها فرحة مشوبة بالأسى، سرعان ما تزول ويحل محلها الهم، فالجيوب فارغة ورمضان المبارك استنفد راتب الشهر كاملا، والاستعداد للعيد أتى على راتب الشهر الثاني، الذي استلمه الموظفون في يوم العشرين من رمضان، وما تبقى من الراتب سوف يوزعه الموظف كعيديات للصغار، حيث يسرق الفرحة من قلبه وجيبه ليمنحها للصغار من حوله، لذلك فشهر شوال أطول شهور السنة عند الموظفين محدودي الدخل إذ يبلغ 35 يوما، يبدأها رب الأسرة من الصفر، لذلك وكعادتنا دائما نهرب من واقعنا السيئ والمؤلم إلى الأحلام والرؤى أوالأمنيات أو الشعوذات والدجل، فتنطلق الإشاعات مصحوبة بالدعاء لتتحقق سريعا، وتتناول هذه الإشاعات المكرمات الملكية والعيديات والهبات، ساعدهم على تصديقها ما لنا من سوابق ملكية كثيرة تمنح الخير للمواطنين في مواسم الجدب، وتنتقل هذه الظاهرة حتى إلى مجالس السيدات اللواتي يتسلى بعضهن بقراءة الكف أو الفنجان فتتقافز في أيدي السعوديات وفناجينهن (السمكات) والتي تكنّي بها قارئات الفناجين عن قرب حصول صاحبة الفنجان على مبلغ من المال، حيث من بشرّت بهذه البشرى الأكذوبة تسارع إلى سؤال العرافة: متى؟ أو بعد كم إشارة؟ (بلغة أهل الدجل). لتفيق على واقع الأزمة المالية التي تعيشها الأسرة، التي يجب أن تتخطاها على أرض الواقع، وليس في الفنجان..

وكل عام وأنتم بكل خير.