تروي فجر يعقوبي (مطلقة) قصة معاناتها مع زوج يكبرها في السن بفارق كبير، كان شديد القسوة معها، وبعد دراما إنسانية كانت بطلتها حصدت ورقة الطلاق، تقول: "تزوجت رجلا يكبرني بـ40 عاما من دون تفكير، كان حلمي الوحيد أن أبني عائلة، وأجد رجلا يحتويني. لم أفكر في العواقب، فأنجبت له ولدين، وكان شديد القسوة معي ويضربني، ويستخدم معي أساليب عنيفة، وكنت التزم الصمت، وأحتمل من اجل أطفالي، فلا أقاضيه، وعند بلوغ أصغرهم الخامسة عشر تقدمت للقاضي بطلب الطلاق، وتنازلت عن كل شيء مقابل ذلك، وأعطاني حريتي مقابل عدم المطالبة بحضانة الأطفال".
الطلاق آفة باتت تنخر في جسد المجتمع ويشير متخصصون في مجال الطب النفسي إلى أن الأبناء هم أكثر المتضررين من الطلاق والانفصال، كما يؤكدون أن الطلاق يصيب الأطفال بأضرار وأمراض نفسية جسيمة، منها اضطراب القلق، والشعور بفقدان العاطفة والأمان، ومشاعر الإحباط، والرفض الوالدي، وتختلف الإصابة باختلاف المرحلة العمرية للأبناء، واشاروا الى ان العائلات تتجاهل العلاج النفسي لهؤلاء الاطفال.
وبينوا بأن الدعم النفسي بعد الانفصال يساهم في تجاوز الطفل لحالة صدمة الانفصال.
أما فاطمة مجملي فلديها طفل توفي والده وهو في ربيعه الأول، فلم تشأ أن تتزوج، لكن النظرة غير المنصفة خاصة للأرملة والمطلقة في المجتمع دعتها للزواج من آخر حتى يكون كأب للطفل.
تقول: "لم أشأ يوما أن أتزوج، ووعدت نفسي أن أكرس ما تبقى من عمري لتربية طفلي، لكن الظروف أجبرتني فتزوجت، ولكني فوجئت بعد إتمام عقد النكاح مباشرةً أن زوجي غير موافق على جلبي لطفلي كي يعيش معنا، متحججا بأنه لا يحب الإزعاج، فخيرني بينه وبين طفلي، فاخترت طفلي فهددني بالطلاق، وعندما تمسكت بقراري رفض تطليقي، فتدخلت عائلتي لإنقاد الزواج، وحلا للمشكلة عرضت أمي أن تأخذ الطفل لتربيه، وأن أزوره من وقت لآخر".
وتتابع فاطمة بأسى "بعد موافقتي على هذا الحل وبعد مرور سنوات، ابني بلغ الآن أحد عشر عاما، وهو لا يعترف بي كأم، حتى إنه لا يريد أن يراني ويقول لي إني لست أمه وإنها ماتت منذ زمن".
وتروي الطفلة نوف العمري (13 عاما) قصتها قائلة "تربيت في بيت عمي الأكبر بعدما انفصل أبواي، وأسس كل واحد منهما حياة جديدة، متناسيين أنهما كانا سببا في وجودي بعد الله سبحانه في هذه الحياة، لم أعد أشعر أن لي قلبا أحيا به كالبشر. أصبحت معقدة، خصوصا عندما كنت أرى أطفالا يلعبون، ويرتمون بأحضان آبائهم، ويقولون "بابا" و"ماما".. هاتان الكلمتان اللتان حرمت من نطقهما".
ويقول أستاذ علم النفس بجامعة الباحة الدكتور صالح بن يحيى الغامدي إن "الطفل هو الضحية في حالة انفصال الوالدين، حيث يتعرض لما يسمى "اضطراب قلق الانفصال"، وهذا يعيق النشاط العادي للطفل، فيشعر بفقد العاطفة، والأمان، ومشاعر الإحباط والرفض الوالدي.
وعن كيفية مساعدة الطفل على التغلب على تأثيرات الانفصال، وأضاف أن "على الأخصائي أن يبدأ وفق مسارين الأول باتجاه الأسرة لتوضيح الحالة الراهنة للطفل في حال لم يسهم الوالدان معه في حل المشكلة، أما الاتجاه الثاني فهو محاولة تطمين الطفل وإشعاره بحب والديه له، ثم تحديد موعد ليلتقي فيه بأحد والديه، وبعد ذلك تقديم الدعم النفسي من خلال برامج الإرشاد الأسري إلى أن يتجاوز الطفل حالة صدمة الانفصال". من جانبه أوضح أخصائي الطب النفسي بمستشفى الملك فهد بجازان الدكتور عبدالرحيم الميرابي أن "دور الطبيب النفسي، أو الاختصاصي النفسي، أو المجتمع تجاه حالات ضحايا الانفصال من النساء و الأطفال، هو دور تكاملي، فالطبيب النفسي لا يستطيع العمل من دون الاختصاصي النفسي الذي يقوم بإجراءات البحث والدراسة، وتطبيق المقاييس النفسية، بغرض تشخيص الحالة والوقوف على أبعادها النفسية، وعرضها على الطبيب لتلقي العلاج سواء كان إكلينيكيا أو سلوكيا بحسب حاجة الحالة". وأكد على عدم إغفال دور الاختصاصي الاجتماعي الذي يقف على أبعاد المشكلة من النواحي الاجتماعية التي عادة ما تكون هي السبب الأول والأساس في حالات الانفصال بين الزوجين، بمعنى أن المجتمع شريك في حدوث المشكلة، فضلا عما يترتب بعد ذلك على الأطفال من مشكلات نفسية هي في الأصل اجتماعية المنشأ. وأشار الدكتور الميرابي إلى أن بعض حالات الانفصال ترجع فقط إلى اضطرابات نفسية يعاني منها الزوج أو الزوجة، ويخلص من هذا إلى أن لكل مختص دورا مكملا لاختصاص الآخر يصب في تقديم العلاج المناسب للمشكلة.
أما الباحثة الاجتماعية بمركز التنمية الاجتماعية بجازان عايشة الكناني فترى أن "مسألة الطلاق تدخل فيها عدة أسباب منها: عدم التكافؤ بين الزوجين، وعدم إشباع أحدهما للآخر، وسوء الاختيار، والقسوة، والعنف من قبل الزوج، وعدم عزم الزوجين على العيش مدى الحياة من أجل أبنائهما، وصغر سن الزوجين على تحمل المسؤولية، وقد يكون السبب عدم التكافؤ الإنساني بين الرجل والمرأة.
وأضافت "يجب علينا منذ الطفولة ألا نربي البنت على أنها زوجة وأم فقط، بل نربيها أنها إنسانة أولا، وامرأة لها دورها الفاعل في المجتمع ثانيا، وأن تحظى بعاطفة وود واحترام من الوالدين".
ومن جانبه قال الدكتور عبدالله الكعيد أن موضوع الانفصال متشعب وقد يؤثر الإعلام سلبا على الأطفال حين يصور الحياة تنتهي بالانفصال، وقد يكون معززا للمعنويات إذا طرح الموضوع بموضوعية وفكر ناضج.