وأنا أطالع قادة الأمة الإسلامية في اجتماعهم قبل يومين في مكة المكرمة، تذكرت قمما سابقة حضرتها وأنا في مرحلة الشباب، وكنت وما زلت أسمع تلك العبارات وتلك الأماني وتلك التطلعات التي تحضر في مثل هذه المناسبات، وحالي كلسان حال الكثيرين إن لم يكن كل شعوب الأمة؛ متى نكون مع من هم في المقدمة ونكف عن التغني والتفاخر بالماضي البعيد، فجيل بعد جيل والحال على ما هو عليه من ضعف وهوان وتفكك، جيل بعد جيل وواقع حال الأمة الإسلامية من سيئ لأسوأ، جيل يولد على حالة من التخلف ويموت والحال كما هو عليه، جيل يولد وفي الأفق أحلام ورؤى ويذهب العمر وتتلاشى كل تلك الأمنيات والرغبات.
وأنا أشاهد مؤتمر مكة أكبرت للملك عبدالله بن عبدالعزيز لفتته الدقيقة والموضوعية عندما استحلف القادة أن يتحملوا المسؤولية تجاه شعوبهم وأمتهم، فقد اختصر خادم الحرمين الشريفين الكثير مما يفترض أن يقال عن الحال، فمشكلة الأمة في قادتها المشغولين ـ على مدى عقود ـ بما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يغير من هذا الواقع الذي تعيشه دولهم وأمتهم، ولعل تنبيه الملك لقضايا المذهبية والطائفية والتحريض والفتن شيء من ذلك الذي ما انفك الكثير من هذه الأمة مشغول به على حساب العلم والمعرفة.
لقد قتلتنا التوافه وأضاعت وقتنا السخافات، وانشغلنا بالهوامش بينما هناك دولتان أو ثلاث من دولنا الإسلامية ممن كانوا ذات يوم اصدقاء للتخلف تجاوزوا ذلك كله يوم أن عزم قادتها على وضع أيديهم في أيدي شعوبهم، من أجل إحداث تغيير نوعي على وضعهم العلمي والمعرفي والصناعي وأقصد إندونيسيا وماليزيا ومن قبلهما تركيا.
واقع الحال يقول وبلا مواربة: إن الأمة إذا تركت السياسة البغيضة والقذرة بمؤامراتها وانقلاباتها وحروبها العسكرية وتحريضاتها وفتنها المذهبية وتركت الانشغال والتدخل في شؤون الغير واهتمت وانشغلت بشؤون شعوبها فإن التغيير قادم لا محالة والشواهد على ذلك كثيرة من الماضي ومن الحاضر القريب.