هل وصلت الجرأة لدى محترف الجريمة أن يعتدي بتهديد السلاح الآلي على أحد وكلاء الإمارات في منتصف الظهيرة أمام المئات من العابرين – الواقفين – عند الإشارة الأكبر في منطقة سعودية؟ وإذا كان هذا المسؤول يستطيع حماية نفسه بقوة أمنية، فمن هو الذي سيحمي آلاف موظفي الدولة من مثل هؤلاء بعذر أن المسؤول – أيا كان اسمه أو موقعه – أمضى توقيعه على عكس مطالبات مواطن أو اعتساف حقوق يريد المجرم وضع يده عليها بالقوة، سواء كانت هذه الحقوق من المال العام أو الخاص؟. وحين تصل الجريمة أو الشروع فيها إلى التهديد بالسلاح في رابعة النهار وفي الموقع العمومي الأبرز من المدينة فلك أن تسأل عن هذا الاطمئنان الذي يعتمر قلب المجرم وهو يقدم على ما فعل. ذروة الجرأة على الجريمة أن يشعر المجرم بالأمان، ليس لتقصير أمني بل لأنه وبكل صراحة يقرأ بدايات ونهايات الذين سبقوه إلى غمار هذا المشوار. يعرف أن القصة ستنتهي إلى (بوس اللحى)، وبئس اللحى هي تلك التي أنهينا فيها جرائمنا الخطيرة إلى مجرد صلح قبلي. نحن بهذا نسقط القانون الرسمي لحساب القانون الاجتماعي، ونحن بهذا نرسل أخطر إشارة لمحترفي الجريمة عن العواقب – البيضاء – لأفعال الجنح.

أخطر من هذا نحن نعطي لكل مجرم إشارة أخرى على ورقة بيضاء لأن يأخذ القانون بيديه، فالمسؤول الذي أتحدث عنه لم يكن له من ذنب إلا تطبيق نظام لحفظ المال العام، وما فعله المجرم يدخل في باب الإرهاب الإداري. وسنقول الحقيقة: إن مئات المسؤولين هم ضحايا لهذا الإرهاب الإداري المستفحل، وبالتالي يحسبون ألف خطوة قبل الخطوة الأولى الخجولة في حسم القانون. ورسالتي اليوم لوزير الأمن – حفظه الله – هي هاجس آلاف المواطنين الذين يؤمنون أن التسامح مع الجريمة، وأن الأبوة مع مثل هؤلاء لا تؤتي ثمرها المطلوب. نحن، وبالمثال، قرأنا القبض على عصابة سرقت وباعترافها مئة منزل في ظرف ثلاثة أشهر. وبالحساب هؤلاء ينتهكون أمن عائلة في اليوم الواحد في المعدل. ومنزل وراء الآخر وصلوا إلى أن يكون الجرم فعلاً اعتيادياً لا يحتاج حتى للحذر الذي يبديه المجرم – العمومي – في جريمته كالعادة. وبالطبع نحن نسمع أو نقرأ حيثيات القبض على الجريمة ولكننا لا نسمع نهاية العقوبة ولا نشاهد ما انتهت إليه. أخطر رسالة نرسلها للمجرم أن يدرك أن الجريمة ستنتهي إلى مجرد ملف ضخم بالأرشيف وصلح قبلي.